بيان ثقة يحاكي التطلعات
سلامة الدرعاوي
البيان الوزاري الذي ألقاه رئيس الوزراء جعفر حسّان أمام مجلس النواب، قدّمت الحكومة رؤيتها للمرحلة المقبلة مستندة إلى محاور أساسية تهدف إلى معالجة التحديات الراهنة وتلبية تطلعات المواطنين. البيان أظهر أن الحكومة تُعيد تعريف خطاب الثقة، متجاوزة الشعارات التقليدية إلى لغة صارمة ومباشرة تضع النقاط على الحروف، إذ إن البيان لم يكن مجرد محاولة لنيل ثقة النواب، بل خطاب يحمل في جوهره رسالة تؤكد أن تحقيق العدالة، وتعزيز سيادة القانون، والنهوض بالاقتصاد ليست مجرد وعود عابرة، بل التزامات ثابتة تقرأ واقع المواطنين وتستجيب لمطالبهم الملحّة. البيان كان واضحًا في تأكيده أن المشروع الوطني هو الأولوية المطلقة للحكومة، وهو ليس مجرد خطة قصيرة الأجل، بل رؤية إستراتيجية شاملة للتحديث السياسي والاقتصادي والإداري، قائمة على توافق وطني، وبحاجة إلى جهود استثنائية لتنفيذها. أبرز ما ميّز البيان هو لهجته القاطعة فيما يتعلق بعدم القبول بالتباطؤ أو التردد، حيث شدد رئيس الوزراء على أن الزمن لا ينتظر، وأن التغيير لم يعد خيارًا، بل ضرورة لضمان مستقبل كريم وعدالة اجتماعية تلمس كل مواطن، حيث ركز بشكل خاص على ضرورة خلق فرص عمل للشباب، مع الالتزام بدعم القطاع الخاص ليكون شريكًا فاعلًا في هذه المسيرة، وأبرز دور القطاع الخاص الأردني كمحرك تاريخي للاقتصاد، مع التأكيد على أهمية توفير بيئة تشريعية محفزة ومستقرة لحمايته وتعزيزه. اقتصاديًا، كان البيان ثريًا بالوعود والمشاريع الإستراتيجية الكبرى، بدءًا من مشروع الناقل الوطني للمياه، الذي يشكل خطوة محورية نحو تعزيز الأمن المائي، مرورًا بمشاريع سكك الحديد والنقل العام، التي تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز التواصل بين المحافظات، كما أشار إلى التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، ما يعكس تطلعًا طموحًا نحو تعزيز الاستدامة وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية. أحد أبرز النقاط في البيان كان التزام الحكومة بتعزيز العدالة الاقتصادية من خلال قرارات كرفع الحد الأدنى للأجور وربطها بالتضخم، وتقديم إعفاءات ضريبية وجمركية لتحفيز قطاعات رئيسية مثل الزراعة والصناعة والسياحة، كما كشف البيان عن جهود واضحة لدعم الفئات الأكثر ضعفًا، من خلال تمويل المشاريع الصغيرة، وتوفير نوافذ تمويلية جديدة للمزارعين والشباب. على صعيد المديونية، قدّم حسّان رؤية واضحة تهدف إلى ضبط نمو الدين العام وتخفيض نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، وركز على استبدال القروض ذات التكلفة العالية بتمويلات ميسّرة، في خطوة لخفض تكاليف خدمة الدين الخارجي، مع المحافظة على الاستقرار النقدي الذي يتمتع به الأردن، كما أشار إلى برامج إصلاح مالي طموحة لتحسين كفاءة الإنفاق وزيادة الإيرادات المحلية عبر مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، وتوسيع نظام الفوترة. البيان لم يغفل أهمية قطاع السياحة كمحرك اقتصادي، حيث قدم رؤية واضحة لاستعادته لعافيته وتعظيم مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، حيث شملت هذه الرؤية تنويع المنتج السياحي والتركيز على أسواق جديدة، مع برامج تحفيز لجذب السياح وزيادة الدخل السياحي، كما لفت إلى خطط لتطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ليواصل الأردن ريادته فيه، مع حوافز ضريبية مشجعة للشركات الناشئة والمستثمرة في هذا المجال. بشكل عام، يمكن وصف البيان بأنه رسالة صريحة للشارع الأردني، تؤكد أن الحكومة عازمة على التغيير والتحرك بجدية نحو تحقيق العدالة والسيادة الوطنية، ورغم أن التحديات كبيرة، إلا أن حسّان قدّم رؤية مدروسة ومتكاملة تحمل في طياتها بريق الأمل للتغلب على المصاعب، وتحقيق تطلعات المواطنين. البيان جاء شاملاً ومتوازنًا، حيث ركّز على الأولويات الوطنية الملحّة بلغة تتسم بالجدية والحزم، مقدّمًا رؤية طموحة لكنها عملية، تعكس حرص الحكومة على التفاعل مع تطلعات الشارع الأردني والعمل لتحقيق المصالح الوطنية.