عن الأردني

{title}
أخبار الأردن -

عبدالهادي راجي المجالي                                

 أحيانا يخاطبوننا وكأننا لانعرف البلد , نحن نعرفها جيدا يا صديقي ..أنت من لايعرف الأردن ...سأخبرك عن الأردن .

هل جربت يوما حين كنت طفلا , أن تتناول شوربة العدس مع البصل ..وأثناء انهماكك بالأكل , تقضم حصوة صغيرة ظلت مع (العدس) ولم تخرج وطبخت ...وأثناء قضمها يخرج الصوت , وتشعر بألم في (طاحونتك) لايعادله ألم ..ويبادلك الجميع الضحكات لأنهم مروا بالتجربة , من لم يجرب قضم حصوة مع شوربة العدس فاته الكثير من التاريخ الإجتماعي للدولة .

هل جربت يا صديق ..أن تكسدر في (حوش الدار) , وتشاهد رصيد العائلة الوطني من (جركنات الكاز) ..وهي مختومة بحرفين (ج ع) أي : الجيش العربي ..وتسأل لماذا والدك دائما يصر على تفقدها حتى في الصيف , ويعتبرها مخزونا وإرثا مرتبطا بالعائلة , ولماذا كل منازلنا في الكرك تحتوي على هذه (الجركنات) ...هل شاهدتها ؟ صدقني منذ وفاة والدي , منذ (23) عاما مازالت مركونة ...في الدار , مقتنيات الجيش لا يعتريها الخراب تبقى صامدة .

هل تعرف يا صديقي ...(الصفط) , في كل منزل من منازلنا كان هنالك (صفط) للخياطة , وأثناء المشاجرات الطلابية التي أشارك بها , وأخسر المنازلة في المجمل , كنت أعود للمنزل وقد تقطعت كل أزارا القميص , وأكذب الأمر على أنه كان نتيجة القفز عن سور المدرسة , (الصفط ) كان يحضر ..والرصيد العائلي من الأزرار كان وفيرا , لم تكن أمي تهتم باللون ...كانت أزار معظم قمصاني ملونة , المهم أن يكون هناك (زرا) ...كانت تخيطها ليس (بالإبرة) بل بالحب والأمومة ...كنا نعرف وقتها أن (الأزرار ) لا تحمي صدورنا ..هو الأردن وحده من يحمي الصدر .

هل جربت يا صديقي أن توكل لك جدتك مهمة غاية في الخطورة , وهي البحث عن دجاجة هربت من الخم , وتطوف حول المنزل ...جدتي كانت تهتم لدجاجاتها وتقوم بإحصائهن كل مساء , قبل الدخول (للخم) ...وفي لحظة تكتشف أن الدجاجة تعرضت للدهس , وتخاف أن تخبر جدتك بالأمر وتقول لها : أنها ربما هربت إلى (خم) مجاور ومنافس , وأني أجريت تحريات مكثفة , وسأعيدها فورا ...من لايعرف يا صديقي طعم البيض البلدي حين يطبخ بالسمن البلدي , لايعرف التاريخ الإجتماعي حتما ..لا يعرف قرى الوطن وأريافه .

هل جربت يا صديق مواسم (الدلف) ..والمعالجات الخطرة للمشهد , والتي تتطلب استشارة (طوبرجي خبرة) , كي يقدم توصيات ملحة وصارمة ...ويتم تنفيذها على الفور , يا صديقي (دلفت) أسطحنا كثيرا , لكن سقف الضمير والقلب ظل صامدا ..حملوه أكثر مما يحتمل وبقي صامدا عزيزا ..

ماذا جربت من حياة الأردني يا صديق ؟ ..هل عرفت ليالي الشتاء مثلنا , وكيف نلتف حول الوالد , وهو يقوم بشواء (الكستناء) لنا , وتحترق نصف أصابعه ..ويبقى (ينفخ) فيها حتى تبرد , الوالد يقبل أن يحترق إصبعه , مقابل أن لا يكتوي لسانك بحرارتها ....هل جربت , كيف كان يضع تحت مخدتك (نصف دينار) ...وحين تصحو في الصباح تعتبر الأمر سرا خطيرا بينك وبينه ولا تخبر أحدا في المنزل كي لا يغاروا منك …

وتقول لي يا صديقي : (انت مغرق في أردنيتك) ...أنا لست مغرقا في أردنيتي , أنا منغمس فيها حتى اخر شعرة في رأسي , ولا أريد الخروج منها ...وصدقني أن طعم الحصى في (شوربة العدس) أشهى من طعم الحياة في عواصم الدنيا كلها ..فقد علمتنا هذه البلد أن نلوك الحصى …

دلني على شعب يطحن الحصى بفمه , ويمضي غير مكترث غير الأردني .

صدقني يا صاحبي أنت لاتعرف البلد مثلي .

الرأي

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير