خريطة الاستثمار في الأردن
د. يزن دخل الله حدادين
بعد مضي فترة جيدة من التناغم الإعلامي بين الحكومة ومجلس النواب حان الوقت لرسم استراتيجية تشجيع الاستثمار الأجنبي في الأردن والبدء بتنفيذها. يجب على الحكومة وضع إجراءات هامة لاتخذتاها لدفع عجلة الاستثمار في الأردن والتي ستؤدي الى ارتفاع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الدولة.
إن التشريعات الجديدة التي استهدفت تعديل قانون الاستثمار ما زالت حبر على ورق وما زالت مادة علمية ممتازة للدراسة والمقارنة، ولكن يجب أن يكون هدفها دعم المستثمرين الأردنيين والعرب والأجانب وخلق بيئة تنافسية تشجع على التوسعات في المشروعات القائمة وجذب الصناديق السيادية والشركات العالمية ومستثمرين جدد، من خلال حزم جديدة من التيسيرات والمميزات تجعل السوق الأردني أكثر جذباً لرؤوس الأموال العالمية وللمشروعات العملاقة والمشتركة التي توفر فرص العمل وتدفع عجلة الإنتاج.
كما أن التشريعات الجديدة التي جرى انتاجها مؤخراً تعمل على تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، من خلال زيادة بعض الحوافز الخاصة الممنوحة للمشروعات الاستثمارية، ومعالجة آلية وضع الخريطة الاستثمارية مما يساعد على إقامة مشروعات استثمارية كبيرة. لكن أين التنفيذ؟
جلالة الملك دوماً يؤكد على ضرورة التسريع في إجراءات تشجيع الاستثمار وعلى أهمية تعزيز البيئة الجاذبة للاستثمار في الأردن باعتباره عنصراً مهماً في النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل ويدعو دوماً إلى تكثيف التواصل مع المستثمرين سواء المحليين أو من خارج المملكة واطلاعهم على الفرص المتاحة وميزاتها. وبين جلالته خلال احدى اجتماعاته مع الحكومة السابقة أهمية دعم قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة عن طريق الطاقة الشمسية لتخفيف الكلف عليها، والتسريع في مشروعات الهيدروجين الأخضر، من خلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لما تشكله من فرصة للاكتفاء الذاتي في المملكة وبوابة للتصدير. كما أشار الى أن التنقيب عن المعادن من القطاعات الواعدة التي يمكن الاعتماد عليها مستقبلاً لإيجاد فرص عمل، لافتاً إلى الإمكانيات المشجعة للاستثمار فيه.
يجب على الحكومة إيجاد بيئة إيجابية للأعمال. فالإصلاحات التشريعية يجب أن ينتج عنها نشاط متصل بالأعمال، بما في ذلك المعايير التنظيمية المتناغمة مع الممارسات العالمية. كما يجب تأمين مستقبل التنمية في الأردن من خلال إدارة أفضل للموارد المائية في الوقت وتوفير موارد جديدة للطاقة الشمسية، والطاقة التي تولدها الرياح، والطاقة النووية. من الضروري اتضاح الرؤية طويلة الأجل لمسار الدولة ومعرفة كيفية جمع الحكومة لمواردها.
نحن بحاجة إلى إرسال رسالة إلى العالم توضح فرص الاستثمار المتاحة في الأردن، وإنشاء علامة تجارية أردنية جديدة تبنى على ميزات الاستثمار في الأردن وهذا يعني وضع الابتكار الأخضر والرقمي في قلب ما نقوم به، والاستثمار في البنية التحتية والمهارات، وإزالة الحواجز أمام الاستثمارات وزيادة الانتاج من الطاقة. يتعين علينا القدرة على المنافسة، ولأكون صريحاً هنا، لقد سئمت من إعادة صياغة خطط الاستثمار ومن الذين يخبرونني عن مدى جودة البرامج الأردنية لتشجيع الاستثمار والمتفاخرين بتعهدات من القطاع الخاص دون واقع حقيقي يؤثر جوهرياً على اقتصاد الدولة.
فوائد الاستثمار واسعة جداً حيث أن للمستثمرين توفير فرص عمل، واستقدام رأس المال والتكنولوجيا، ونقل المعرفة، ودفع النمو الاقتصادي. ولكن هذه الفوائد المحتملة لا تتحقق من تلقاء نفسها، ويجب أخذ خطوات ثابتة وبناء استراتيجية واضحة للحصول عليها. هناك العديد من المتغيرات التي يكون لها تأثير عند دراسة واعداد استراتيجية تشجيع وجذب الاستثمار والسياسات التي تستلزمها وليس من الضروري أن يتم التعامل مع جميع أنواع الاستثمار على قدم المساواة، إذ يكون للأنواع المختلفة من الاستثمارات تأثيرات مختلفة يجب دراستها حيث أنه هنالك العديد من أنواع الاستثمار مثل الاستثمار المحلي، الاستثمار الأجنبي، الاستثمار المباشر، الاستثمار الغير مباشر، الاستثمار المالي، الاستثمار البشري، الاستثمار القصير الأجل، الاستثمار طويل الأجل، الاستثمار ذو العائد السريع، الاستثمار ذو العائد البطيء، الاستثمار التطويري، والاستثمار الاستراتيجي.
بتوجيهات ملكية نرى أن الحكومة الجديدة عازمة على جعل الأمور أكثر وضوحاً في الأردن ولكن يجب عليها وضع خريطة عمل تنفيذية بما يمكّن المستثمرين الأجانب والشركات من وضع خططهم المستقبلية واستراتيجياتهم الاستثمارية في المملكة، ونأمل من الحكومة الحالية أنها تتجاوز فترة الحرب على غزة التي شهدتها في العام الماضي والحالي. يبدو ما تطرحه الحكومة الجديدة مبهراً نظرياً، لكن بانتظار ترجمة ذلك إلى واقع ملموس. دعونا نكون واضحين، بالنسبة إلى الاستثمار الأجنبي فإنه حين يشم رائحة الفرص يهرع الأموال ناحيته بسرعة، لكن أيضاً حين يشم رائحة المشكلات والعقبات تتبخر الأموال.
يجب أن نهدف إلى أن نكون دولة رائدة للتجارة الحرة في جميع أنحاء العالم ونتطلع إلى تطوير هذا الهدف من خلال التواصل مع الدول والمؤسسات والشركات متعددة الجنسيات كون الأردن نقطة الالتقاء بين الشرق والغرب. رغم ضخامة التحديات السياسية والأمنية في المحيط الأردني وتشابك آثارها على الأردن بما يتعارض مع تهيئة المناخ الملائم لتحقيق التنمية بكافة أبعادها، وعلى رأسها اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أنني أستطيع القول، أن الحكومة الحالية قادرة على تحقيق أولويات الدولة الأردنية المتمثلة في إرساء الاندماج الإقليمي والتكامل الاقتصادي العالمي، وأن هناك فرصاً واعدة ومتنوعة أمام شركاء الأردن على مستوى العالم تجعل من الأردن أحد أهم المقاصد أمام مؤسسات الأعمال الدولية ذات الأهمية.
إنه في مصلحة الجميع اتخاذ تدابير حازمة من أجل حماية مستقبل الاقتصاد الأردني وتقويته. وعلينا أن ندعم الاستثمار بقوة، لأنه فقط من خلال الاستثمار كبير الحجم يمكننا حقاً أن نأمل في تحقيق أهم هدفين من أهداف التنمية المستدامة وهما القضاء على الفقر والبطالة وعدم الاعتماد على المنح الأجنبية والقروض. نعم تواجه الدولة الأردنية العديد من الصعوبات الاقتصادية التي قد تجعلها وجهة غير مريحة للمستثمرين الباحثين عن الربح السريع، لكن الفرص الاستثمارية على المدى البعيد تبدو واعدة للغاية كما أن القطاعات الناشئة تشكل فرصة مهمة لأولئك الراغبين في تحقيق أرباح كبيرة على المدى البعيد.