قانون تنظيم الشقق .. وجهه نظر
د. مالك القصاص
أصبحت المدن الأردنية مليئة بالعمارات والشقق السكنية، حيث ادت الزيادة السكانية الحادة الى التوسع العمراني بالشكل العامودي بتعدد الطوابق، في حين أصبح التمدد الأفقي قليلاً نظراً للظروف الاقتصادية وغلاء أسعار الأراضي بشكل كبير، وكذلك متغيرات جديدة فرضتها طبيعة الحياة في المدن الكبرى.
العمارات والشقق السكنية في الأردن تخضع لمجموعة من القوانين والأنظمة مثل قانون الملكية العقارية الأردني لسنة 2019 (مع كافة تعديلاته) وقانون البناء الوطني الأردني، التي تهدف إلى تنظيم البناء والتصميم، والملكية والافراز، وتملك وإيجار غير الأردنيين، والعلاقة بين السكان، وإدارة المرافق المشتركة، وغيرها.
في ذات الشأن، ارتفعت نسبة الإشكالات بين سكان العمارات في الفترة الأخيرة لأسباب تتعلق بأن البعض لا يرغب بدفع بدل خدمات وصيانة ولحراس العمارات، بالإضافة الى الاختلاف على مواقف السيارات والاسطح، وارتفاع الأصوات لدى الجيران، وطريقة التخلص من القمامة. وهذه الإشكالات تؤدي أحيانا إلى حدوث المشاكل التي قد تخرج عن السيطرة، والتي قد تتطور لتصل أحيانا إلى المراكز الأمنية ومن ثم إلى المحاكم.
في أوروبا، وخاصة في دول مثل إيطاليا، بدأت انظمة إدارة الشقق والمباني المشتركة منذ قرون، نتيجة لتاريخها الطويل في السكن الحضري ونظام العمارات المشتركة. هذه الأنظمة جاءت استجابة للحاجة إلى تنظيم العلاقات بين السكان وإدارة الأجزاء المشتركة من المباني بطريقة تحقق الانسجام والاستدامة.
في إيطاليا، قوانين تنظيم الشقق تتعلق بالملكية المشتركة (Condominio) وتحدد حقوق وواجبات مالكي الشقق في العمارات. هذه القوانين تهدف إلى ضمان إدارة المباني المشتركة بطريقة عادلة ومنظمة، وتشمل الإدارة المشتركة، حيث يتم تعيين مدير (Amministratore) للمبنى لتنظيم الشؤون المشتركة، مثل الصيانة وتحصيل الرسوم. وكذلك الصيانة والمسؤولية، حيث يلتزم جميع الملاك بالمساهمة في تكاليف الصيانة والإصلاحات للأجزاء المشتركة مثل المصاعد، الدرج، والأسطح، ومواقف السيارات. بالإضافة الى قوانين النظام الداخلي، حيث يتم تحديد قواعد داخلية للتعامل مع الأمور اليومية، مثل استخدام المرافق المشتركة وضمان النظافة، وعدم الازعاج.
بالإضافة الى ذلك، قامت إيطاليا بوضع قوانين واضحة لحل النزاعات بين سكان العمارات، فعلى سبيل المثال تم عمل لجان محلية لحل النزاعات بين السكان لتجنب اللجوء إلى القضاء في القضايا الصغيرة.، وكذلك تم توفير وسائل قانونية سريعة وفعالة للنظر في المشاكل المتعلقة بالملكية المشتركة، فعلى سبيل المثال إذا استمر أحد السكان التخلف عن الدفع، يمكن لمدير العمارة تقديم طلب قضائي للحصول على أمر دفع (Decreto Ingiuntivo) للمبالغ المستحقة بالإضافة لغرامات مالية. كما ويمكن اصدار وبشكل سريع امر حجز على الممتلكات أو الحسابات البنكية للشخص المتخلف عن الدفع.
أخيرا وكعادتي لابد ان اتناول الموضوع من زاويتي الأردنية حيث يتطرق الى ذهني مشكلة الشقق والعمارات السكنية في الأردن، واسأل نفسي: هل يمكن عمل استراتيجية متكاملة للعمل على تنظيمها، مما يساهم في الامن المجتمعي والتنمية المتوازنة والمستدامة، مع الاخذ بعين الاعتبار الاستفادة من خبرات البلدان الاخرى؟ نحن بحاجة الى إعادة النظر في القوانين والتعليمات لتطوير تشريعات إضافية تُعنى بإدارة الشقق والعمارات المشتركة بشكل أكثر وضوحا وفعالية وتفصيلا، لتنظيم العلاقة بين السكان وتحديد حقوق وواجبات والتزامات كل منهم، ووضع حدا للخلافات التي قد تنشأ بين قاطني العمارة السكنية الواحدة والتي يمكن ان تؤدي لمشاجرات او جرائم لا قدر الله، مما يساهم في ضمان استدامة هذه العمارات وحسن تنظيم العلاقة بين السكان، وتحسين جودة الحياة في المجتمعات السكنية. كما ولابد ان تشمل الاستراتيجية على التثقيف والتوعية لتعزيز ثقافة المسؤولية الجماعية بين السكان والتوعية حول أهمية الالتزام بالقوانين المشتركة ودورها في تحسين جودة الحياة. وبالإضافة الى ذلك، يمكن عمل نظام تدريبي شامل، بالتعاون بين الجهات الحكومية (وزارة الأشغال العامة والإسكان او وزارة العمل أو البلديات)، والقطاع الخاص، والجامعات او الكليات، لإعداد واعتماد مديري المباني المشتركة في الأردن، والذي يمكن أن يكون خطوة هامة نحو تحسين إدارة العقارات، وخلق فرص عمل جديدة، وضمان تقديم خدمات عالية الجودة للسكان.