كيف نواجه خطر اليمين على الأردن؟
راكان السعايدة
ليس تحليلًا، ولا فذلكة، القول إن اليمين الصهيوني يشكل خطرًا على الأردن، خطرًا وجوديًا جديًا، لا متخيلًا، ولا مزعومًا.
وحيث يسيطر اليمين الصهيوني، اليوم، وبدعم من إدارة البيت الأبيض المنتظرة (إدارة دونالد ترمب) على مقاليد الحكم والقرار، فإن الأخطار تتعاظم بشكل كبير ووشيك، نقطتها المركزية ما يخطَّط للضفة الغربية.
فإذا كانت الأسباب والأجندة الشخصية هي ما يحكم جزءًا من قرارات رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو، فإن الذي يحكم مواقف وتوجهات حليفيه إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش هو الاستيطان والسيطرة على الضفة الغربية في أقل تقدير.
مع ما يعنيه هذا الأمر من تهجير أكبر نسبة من أبناء الضفة الغربية تحت ضغط القتل والتدمير وتضييق سبل الحياة، ومن يقرأ واقع الضفة الغربية جيدًا يستنتج سريعًا أنها خاصرة الأردن الرخوة.
صحيح أن في الضفة جيوب مقاومة وبخاصة في بعض المخيمات، وعلى رأسها مخيم جنين، لكن، في العموم، لا توجد بيئة مقاوِمة في الضفة تشبه ما في قطاع غزة.
وما تحمّله أبناء القطاع ويتحملونه منذ ما يزيد عن سنة لربما لا يمكن لأبناء الضفة الغربية احتمال جزءٍ بسيطٍ منه، وهذا نتاج لمفاعيل اتفاقية أوسلو وما صممته لإخراج أبناء الضفة الغربية من دائرة الفعل المقاوم، وتحويل المجتمع إلى تابع لامتيازات "السلطة الوطنية".
المعنى، أنه منذ العام 1993، أي منذ بدء تنفيذ اتفاقية أوسلو، والضفة الغربية تتعرض لعملية تدجين ممنهجة، لم ينج منها إلا القليل، ونجا منها قطاع غزة بعد العام 2006، أي بعد الأحداث التي أعقبت الانتخابات التشريعية.
تفاعلات المشروع الصهيوني حيال الضفة الغربية يستدعي أن يكون الأردن حذِرًا في المرحلة الحالية، حذِرًا عمليًا لا نظريًا، وبإجراءات داخلية وخارجية جدية وعميقة لفرملة ما يخطط للضفة الغربية وإفشاله.
لأن الانتظار، والاكتفاء بالشجب والإدانة، لا يمكن أن يؤديا إلى عكس مسار اليمين الصهيوني، فهو اعتاده ولا يلقي إليه بالًا، سواء صدر من الأردن أو العرب أو العالم، لأنه يركز على مشروعه الاستيطاني التوسعي ولا شيء غير ذلك.
فهذا اليمين يخلق يوميًا وقائع على الأرض، وسبق أن خلقها في القدس المحتلة في عهد إدارة ترمب السابقة، ولن يتوانى عن تعزيز وقائع جديدة تُراكِم تنفيذ مشروعه، خصوصًا وأنه يعتقد أن الفرصة مهيأة بشكل غير مسبوق حاليًا لتحقيق أطماعه. ألم يُشرعِن ويوسع مستوطنات ويصادر أراضي، ويخطط لضم المنطقة (ج) كمقدمة لضم كامل الضفة الغربية؟!.
نعم، لن تقوم دولة فلسطينية بأي مفهوم من مفاهيم أوسلو أو غيرها، فهذا الأمر حسم صهيونيًا، حسمًا عمليًا وواقعيًا، ومن يظن غير ذلك فهو لا يقرأ واقع الضفة الغربية ولا واقع المجتمع الصهيوني، ولا يفهم تواضع قدرات الغرب في فرض مسار الدولة الفلسطينية على الكيان الصهيوني.
بالخلاصة، وبدون توسع في إعادة التذكير بالمخاطر التي تم تناولها في مقالات سابقة عديدة، فان الأردن مطالَب، رسميًا وشعبيًا، بإجراءات قوية ذات تأثير لقطع الطريق على مشاريع التيار الصهيوني المتطرف الحاكم.
وعلينا أن نعلم جميعا أن الأردن مكشوف الظهر، عربيًا وإسلاميًا، بل ربما بعض هؤلاء يسهم في دعم المشروع الصهيوني على حساب الأردن بطريقة ما، ما يحتم أن يكون تفكيرنا وتخطيطنا وطنيًا خالصًا، وأن ننخرط مباشرة في حماية وتحصين الضفة الغربية ودعمها لإفشال المشروع الصهيوني.
وعلينا كذلك أن نذكّر مجددًا بضرورة اتخاذ خطوات جدية حقيقية لتحصين الجبهة الداخلية وتمتينها بما يجعل الموقفين الرسمي والشعبي متماهيين بصورة كلية لمواجهة هذا الخطر الوجودي الداهم.
وهذا يتطلب إجراءات عملية كثيرة يجب أن تكون مدروسة ومبنية على أسس متينة لتهيئة المجتمع الأردني لمختلف احتمالات المواجهة مع العدو الصهيوني.
ولنتساءل هنا، مثلًا، ما الذي علينا، أو يمكننا اتخاذه من إجراءات في حال تدفق عشرات أو مئات الآلاف من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية هربًا من التنكيل والانتهاكات التي يمارسها وسيمارسها الكيان الصهيوني ضدهم وانفلات قطعان المستوطنين، المسلحين، على القرى والبلدات والمدن الفلسطينية هناك؟.