هكذا ينجو الأردن من هزات الإقليم الملتهب
قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور إسماعيل الزيود إن الأردن يعيش في قلب منطقة تعج بالتوترات والنزاعات الإقليمية التي تركت بصماتها العميقة على مختلف جوانب الحياة، مضيفًا أنها فرضت تحديات اقتصادية واجتماعية جسيمة على البلاد.
وأوضح الزيود في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن هذه الأزمات لم تقتصر على حدودها الجغرافية، فقد امتدت تأثيراتها لتنعكس على الداخل الأردني، حيث تعمقت معضلتَا البطالة والفقر، ما يستدعي البحث عن حلول جذرية ومبتكرة بعيدة عن التقليدية التي أثبتت محدوديتها أمام تعقيدات الواقع.
ونوّه الزيود إلى أن أزمة اللجوء برزت في ظل هذه الظروف كعامل إضافي يزيد من تعقيد المشهد، إذ شكل التدفق المستمر للاجئين ضغطًا غير مسبوق على القطاعات الحيوية في البلاد، مشيرًا إلى أن هذا التدفق أثّر بشكل مباشر على سوق العمل، والبنية التحتية، والخدمات التعليمية والصحية، فضلًا عن الخدمات الأساسية الأخرى، الأمر الذي ألقى بظلال ثقيلة على الاقتصاد الوطني وعلى تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين.
وأكد أن تناول هذا الملف بات ضرورة ملحة للتخفيف من آثاره المباشرة، ولمعالجة التداعيات الممتدة التي تسهم في زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المدى البعيد.
وعن قضية البطالة، قال الزيود إنها تُعدّ ظاهرة عالمية إلا أن وقعها يصبح أكثر حدة في دول تواجه تحديات إقليمية كالأردن، والمواطن الأردني يعاني اليوم من صعوبة متزايدة في الوصول إلى فرص العمل، وهو ما يعكس بشكل واضح العلاقة الوثيقة بين الأزمة الاقتصادية المحلية والتغيرات الإقليمية والدولية، فالأزمات السياسية والحروب في المنطقة لا يمكن عزلها عن تأثيراتها على سوق العمل ومستويات الفقر، ما يجعل البطالة والفقر مشكلتين متلازمتين تحتاجان إلى تدخلات شاملة تركز على خلق بيئة تمكينية بديلة عن الحلول السطحية.
وفي هذا الإطار، دعا إلى تبني رؤية تنموية عميقة وشاملة قادرة على معالجة جذور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، إذ إن تعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة يشكل أحد الحلول الأكثر فعالية في هذا السياق، لا سيما إذا ارتبط بتمويل عادل وموجه إلى المناطق التي تعاني من جيوب الفقر وفق دراسات ميدانية دقيقة، مشددًا على ضرورة تطوير أدوات التمويل المحلية.
وأشار الزيود إلى أن تطوير شبكة الأمان الاجتماعي يمثل ركيزة أساسية في هذه الرؤية، منوهًا إلى أهمية إعادة صياغة البرامج الاجتماعية السابقة، مثل "حزمة الأمان الاجتماعي" وبرنامج "تعزيز الإنتاجية الاقتصادية والاجتماعية"، لتتلاءم مع التحديات الراهنة وتضمن شمولية وعدالة التوزيع.
واستعرض التجارب التنموية السابقة التي أطلقتها الحكومات الأردنية، مثل "برنامج حزمة الأمان الاجتماعي" و"تعزيز الإنتاجية"، مشيرًا إلى أن هذه البرامج رغم نجاحها الجزئي في حينها، إلا أنها افتقرت للاستمرارية اللازمة لمواكبة التحديات المتزايدة، مبينًا أن إحياء هذه البرامج يتطلب إدخال تحسينات جذرية تضمن استدامتها وعدالتها، بما يعزز من قدرتها على مواجهة المتغيرات.
واختتم الزيود حديثه بالتأكيد على أن الموقع الجغرافي والدور المحوري للأردن يجعلان من التحديات الإقليمية واقعًا لا يمكن تجنبه، إلا أن مواجهة هذه التحديات تتطلب إرادة سياسية واضحة واستراتيجيات تنموية شاملة تضع الإنسان في صميمها، مؤكدًا أن التنمية العادلة والمستدامة ليست مجرد خيار بل ضرورة وطنية قادرة على إعادة تشكيل المسار التنموي للبلاد وتحقيق طموحات مواطنيها في حياة كريمة ومستقبل أكثر إشراقًا.