الحجي لـ"أخبار الأردن": معادلة المال والسعادة مرتبطة ببحث الأردني عن معنى لحياته
في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن الأردني، يطفو على السطح تساؤل جوهري يتجاوز البُعد الفردي ليلامس عمق التركيبة المجتمعية: ما العلاقة بين المال والسعادة في سياق اجتماعي مركب كالذي يشهده الأردن؟... وهل السعادة انعكاس مباشر للثروة الفردية، أم أنها نتيجة شبكة أعمق من التفاعلات الاجتماعية والثقافية؟.
أستاذ علم الاجتماع والجريمة الدكتور جهاد الحجي قال إن دراسة العلاقة بين المال والسعادة تتطلب تجاوز النظرة الفردانية التي تختزل السعادة في إطار مادي بحت، موضحًا أن السعادة ليست شعورًا فرديًا منعزلًا، بل هي ظاهرة اجتماعية تتشكل داخل بنية المجتمع وثقافته، وفي الأردن، حيث يعاني المواطنون من تحديات اقتصادية متزايدة، يصبح المال عاملًا مركزيًا، لكنه ليس العامل الوحيد في صياغة معادلة الرضا والسعادة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المال أداة تعكس مقدار التفاعلات داخل المجتمع، فهو يحدد إلى حد كبير قدرة الأفراد على الوصول إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية، لكنه يرتبط أيضًا بإحساس الفرد بالمكانة الاجتماعية والعدالة والكرامة.
وبيّن الحجي أنه ينظر للمال في الأردن على أنه عنصر حيوي لتلبية الاحتياجات الأساسية في ظل اقتصاد يعتمد بشكل كبير على الموارد المحدودة وتزايد معدلات التضخم، إذ إن الدراسات السيسيولوجية تؤكد إسهام المال في تحقيق حد أدنى من الكفاية، ما يعزز شعور الفرد بالاستقرار، إلا أن هذا التأثير يظل مشروطًا بقدرته على سد الفجوة بين الاحتياجات المتزايدة والدخل المحدود.
وذكر أن السعادة التي يحققها المال لا تتجاوز غالبًا مستوى "إشباع الضروريات"، مضيفًا أن المجتمعات التي تشهد تفاوتًا اقتصاديًا مثل الأردن، يتوقف المال عن كونه وسيلة للسعادة بعد حد معين، وهنا، تظهر عوامل أخرى مثل الأمان الوظيفي، والعلاقات الاجتماعية، والشعور بالعدالة كعناصر حاسمة في تحقيق الرضا.
ونوّه الحجي إلى أن هناك واحدة من الإشكاليات السيسيولوجية التي تؤثر بعمق على مفهوم السعادة في الأردن، وهي ثقافة الاستهلاك والمقارنة الاجتماعية، ففي مجتمع يتميز بتزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار المظاهر الاستهلاكية، يجد المواطن الأردني نفسه في حالة دائمة من التقييم مقارنة بالآخرين، فالمال في السياق الأردني لا يُقاس فقط بقدرته على تلبية الاحتياجات، بل أيضًا بقدرته على تلبية توقعات الفرد المرتبطة بثقافة المقارنة، في وقتٍ تعمق فيه الأخيرة شعور الفرد بعدم الكفاية حتى لو حقق دخلًا يكفي لتلبية احتياجاته الأساسية.
وقال إن علم الاجتماع ينظر إلى هذا التفاوت في توزيع الثروة على أنه تأثير مزدوج على السعادة؛ فهو لا يضعف فقط شعور الأفراد بالرضا، بل يُسهم في تفاقم مشاعر الإحباط وعدم المساواة، وفي الأردن، يظهر هذا التفاوت في الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، إذ تتركز الخدمات والفرص الاقتصادية في العاصمة والمدن الكبرى، فيما تعاني المناطق الأقل حظًا من نقص حاد في الموارد والبنى التحتية.
وحذّر الحجي من أن هذا التفاوت يؤثر على السعادة المجتمعية بشكل عام، إذ يُعزز من الإحساس بالغبن الاجتماعي، مؤكدًا أن الشعور بالعدالة الاجتماعية عنصر جوهري لتحقيق الرضا النفسي والجماعي في أي مجتمع.
ورأى أن السعادة الحقيقية في المجتمع الأردني لا يمكن فهمها بمعزل عن البُعد الاجتماعي، فإلى جانب المال، يلعب التكافل الاجتماعي والروابط الأسرية القوية دورًا محوريًا في صياغة السعادة، فالمجتمعات التي تواجه أزمات اقتصادية، تصبح العلاقات الإنسانية والمجتمعية مصدرًا أساسيًا للتوازن النفسي، وإن إعادة بناء ثقافة التكافل والتضامن في الأردن يمكن أن تسهم في تعزيز السعادة، بغض النظر عن الظروف المادية.
واختتم الحجي حديثه بالقول إن السعادة ليست منتجًا يُشترى بالمال، بل هي محصلة تفاعل بين العوامل المادية والاجتماعية والثقافية، وفي الأردن، فإن تحقيق الرضا الحقيقي يتطلب إعادة صياغة العلاقة بين المال والمجتمع، مع التركيز على العدالة، والكرامة، والروابط الإنسانية كأسس لا غنى عنها لتكوين مجتمع أكثر سعادة.