حتى لا تكبر هذه الأزمات
ماهر أبو طير
تصبح الحياة في الأردن صعبة يوما بعد يوم، والصعوبة مصدرها مالي بالدرجة الاولى، وترتد قصة المال على كل القطاعات، وتترك أثرا اجتماعيا حادا، لا يتوقف عنده احد في الأردن.
خذوا مثلا قصة الحد الأدنى للاجور، وهي اجور منخفضة اصلا، وتبلغ تقريبا حوالي 366 دولاراً- 260 ديناراً شهريا، وهو أعلى من الحد الأدنى الشهري في كل من الهند، ومصر، والمغرب، ودول أخرى، وليس بالضرورة ان يتم دفع هذا المبلغ، فقد يوقع الشخص على استلامه للحد الادنى ويستلم الادنى من الادنى، وسط مطالبات برفع الحد الحالي.
منتدى الاستراتيجيات الأردني أصدر مؤخرا ورقة سياسات تحمل عنوان "اقتصاديات الحد الأدنى للأجور: نظرة على الحالة الأردنية"، واجتهد المنتدى في احتساب الزيادة المحتملة على الحد الأدنى للأجور في عام 2025، التي من الممكن أن تكون ما بين 288 ديناراً شاملاً معدل التضخم لحماية الحد الأدنى للأجور من التآكل، و300 دينار شهرياً شاملاً معدل التضخم، ومعدل نمو الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج؛ لتعزيز النمو في الإنتاجية.
برغم ان الحكومة الحالية اعلنت نيتها رفع الحد الاىنى للأجور، وتجري دراسات بالتشارك مع جهات مختلفة من بينها الضمان الاجتماعي، والبنك المركزي، وغيرهما، الا ان الضجيج الخفي في كل القصة يرتبط بوضع القطاع الخاص الذي يعاني من ازمة حادة على صعيد كلف الانتاج والطاقة، ويعاني ايضا من اجل الاستمرار، وهناك اصوات احتجاج من داخل القطاع على التوجه لرفع الحد الادنى للاجور، وسيؤدي القرار الحكومي اذا تم اتخاذه اما الى زيادة نسبة البطالة كون القطاع الخاص سيخفف من عدد موظفيه، واما الى اعادة تدوير الكلف بسبب زيادات الرواتب ورفع اسعار السلع والمنتجات، في ظل اقتصاد بطيء اصلا.
تلك صفحة من ازمة اقتصادية تحت الرماد، تتحدث عن الاجور، لكن خذوا مثلا صفحة ثانية تتعلق بمصاعب التأمين الصحي، والمعارك الكبرى بين شركات التأمين الصحي، ونقابة الاطباء، ووزارة الصحة، وتأثير ذلك على المؤمنين صحيا، وحالة الصراع القائمة، التي من بين اوجهها حقوق الطبيب التي لا نختلف عليها، ومخاوف شركات التأمين من الخسارة والانهيار جراء تعاقدها مع المؤمنين بشروط، ومع الاطباء بشروط، فيما يراد رفع اجور الاطباء والخدمات الطبية، مما يعني خسارة محققة للشركات، التي تفضل ان يعاني المواطن بدلا من معاناة الشركة، فيما الاطباء يطالبون بحقوقهم، ولا يأبهون بما يتعرض له المؤمن من عراقيل ومشاكل والتي من بينها "ادفع من جيبك ثم ستتم محاسبتك" على افتراض ان الأردني يمتلك مالا في جيبه لتلقي العلاج بهذه البساطة.
القصة هنا لا تحتمل الادانة من جهة ولا التبرير من جهة ثانية فنحن امام مشكلة تؤثر على اكثر من مليون وسبعمائة ألف شخص تحت مظلة شركات التأمين ويقابلهم قرابة ثلاثة ملايين ونصف شخص لديهم تأمين صحي حكومي، بكل كلفه المالية المذهلة، وما فيه من خدمات غير كافية احيانا، او ما يتعلق بالجودة او نقص الاجهزة، وهذا ملف آخر يؤثر ايضا على الموازنة، ويضع الأردنيين امام تحديات مالية كبيرة جدا.
بقية الملفات ضاغطة ايضا، وتجعل حياتنا خشنة، وليست سهلة، من كلف التعليم، مرورا بارتفاع اسعار المياه، وقصص الكهرباء، والوقود، وربما رغبة الحكومات المتتالية بالتحرر مما تسميه الدعم الاجتماعي لبعض الخدمات، حيث المنطوق الحكومي يتحدث عن دعم لا بد من التعامل معه، آجلا او عاجلا، وهو دعم لا يصدقه الناس ويعتبرونه نوعا من المبالغة.
الطريق لمتاحة امامنا للاستمرار هي عدم الاستسلام امام الازمات والبحث عن حلول، وعدم ترك اي ازمة لتكبر وتترك اثرا حادا، والتوسط في الحلول بحيث يرضى الجميع، وتجويد الخدمات المقدمة مادمنا ندفع كلفتها، وتدفع الخزينة كلف العاملين في قطاعاتها، والبحث عن حلول لتحريك القطاع الخاص، وتحاشي نقل الضغط اليه، والى مالية الضمان الاجتماعي.