الخدمات الطبية خط أحمر
نضال منصور
الخدمات الطبية لا تحتمل العبث، هذا أول ما تبادر إلى ذهني، والمكاسرة مستمرة بين نقابة الأطباء والحكومة وشركات التأمين الصحي، واليوم بعد إقرار لائحة الأجور الجديدة ندخل في حالة من التيه يدفع ثمنها المواطن أولا، وأخيرا.
لا نُنكر على نقابة الأطباء حقها في الدعوة إلى مراجعة لائحة الأجور، ولكن لا نؤيد أن تمضي في قرارتها دون توافق كل الأطراف، فالخدمات الطبية لا يجوز أن تكون رهنا بقرار مجلس النقابة، ومن يخالف توجهها يخضع للملاحقة، والتأديب.
أتفق مع الزميل مكرم الطراونة، رئيس تحرير جريدة الغد، بالمقارنة بين إضراب المعلمين قبل سنوات من أجل قضايا مطلبية، وبين توجهات، وقرارات نقابة الأطباء، وحين عارضنا الإضراب العام كنا نحذر من تعطيل العملية التعليمية برمتها، وربما لا يختلف ما تفعله نقابة الأطباء الآن بالتمسك بلائحة الأجور، لأنها تُهدد متلقي الخدمات الطبية بالتوقف، وهو خطر داهم، مهما أصبغ عليه من عبارات تجميلية، مثل القول إن الأطباء سيعالجون بالمجان غير المقتدرين ماليا.
لم أفهم السر وراء قبول الحكومة بموقف النقابة، ولائحة الأجور التي أقرتها في ظل ظرف اقتصادي عصيب، والحكومة تعرف قبل غيرها التبعات المالية التي ستفرضها لائحة الأجور ليس على شركات التأمين الصحي، وإنما على عموم الأردنيين، والأردنيات، والتداعيات، والتبعات التي ستُخلقها، وترتد على الخدمات الطبية العمومية، وأثر كل ذلك على جودة الرعاية الصحية.
تسعى نقابة الأطباء إلى فرض سياسة الأمر الواقع، ولو أخذت كل النقابات بهذا المنحنى، وآليات العمل فإننا سندخل في معارك عض أصابع، لها أول وليس لها آخر، وكل نقابة وإطار مهني سيعتقد أنه مظلوم، وأن لديه مظلمات يجب حلها، ومعظمها إن لم يكن كلها مرتبطة بوضع مجتمعي، وقواعد عمل لا يمكن خرقها دون تفاهمات، وبالتأكيد ليس اللجوء إلى سياسة ليّ اليد، ومثلما التعليم خط أحمر، فإن الخدمات الطبية «تابو» لا يمكن القبول بأي جهة التحكم بها، وفرض موقفها.
أسعار الخدمات الطبية لا يجوز أن تنفرد بإقرارها وتقديرها نقابة الأطباء وحدها، فهناك المستفيدون من الخدمات لهم وجهة نظر وازنة، والوضع الاقتصادي للبلاد له دور، وسلم الرواتب في القطاعين الخاص والعام مسألة مهمة، والعائدات السنوية للأطباء (دخلهم السنوي) مهمة في طريقة احتساب الأجور رغم الشكاوى، والاتهامات من التهرب الضريبي لبعضهم، وبالطبع شركات التأمين الطبي لها وجهة نظر أساسية على ضوء خبرتها، وأخيرا الحكومة المفروض أن تكون حكما، والأولوية للموازنة بين مصالح كل الأطراف، لكنها مُجبرة أن تنحاز للمصلحة العامة.
على الحكومة أن تتدخل لتصحيح المسار، فالخدمات الطبية من غير المقبول أن تكون رهينة لأحد، وربما هذه التجربة القاسية، تدفع الدولة إلى مراجعة الاقتراح السابق الذي قدمه الضمان الاجتماعي بأن يكون التأمين الطبي أحد الخدمات الرئيسية التي يُقدمها، ولكن بإدخال تحسينات على النظام بحيث تُقلل الكلف على المشتركين، والمشتركات.
نقول دائما إن الازدهار في حياة الأردنيين مرتبط بخدمات رئيسية لا غنى عنها، ويتقدمها التعليم، والخدمات الصحية، والنقل العام، وإذا تضررت أي منها، فمهما فعلت أي حكومة فإنها لن تنال الرضى، وستكون ما تفعله في خدمة المواطنين قاصرا، ومختصر القول؛ تحدي لائحة الأجور اختبار لحكومة الدكتور جعفر حسان.