خبير مناخ لـ"أخبار الأردن": حان وقت الاعتراف بالتهديدات البيئية المحدقة بالأردن
قال خبير شؤون البيئة والمناخ باتر وردم إن التغير المناخي يفرض نفسه على صميم الرؤية الاستراتيجية للأردن في مجال الأمن الوطني، نظرًا لتأثيره المباشر على الموارد الحيوية للبلاد، من مياه، وطاقة، وغذاء، وهي الأساسيات التي تقوم عليها استدامة الاقتصاد والحياة اليومية للمواطنين.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن قضايا التغير المناخي تحظى باهتمام متزايد في الأوساط العلمية والمجتمعية، إلا أن هذا الاهتمام لا يزال دون المستوى المطلوب على صعيد دوائر صنع القرار السياسي في الأردن، إذ إن مواجهة هذا التحدي تتطلب نهجًا استراتيجيًا بعيد المدى وتخطيطًا مستدامًا، وليس مجرد ردود فعل موسمية أو استجابات وقتية.
وأكد وردم أن القيادة الأردنية تعي خطورة هذا التحدي، ويبرز ذلك من خلال كلمة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني أمام مؤتمر الـ29 لاتفاقية تغير المناخ في أذربيجان، إذ شدد على أهمية تبني نهج شامل وعادل للتعامل مع أزمة المناخ في سياق يراعي الاستقرار والسلام، محذرًا من أن غياب العدالة والاستقرار يزيد من حدة تأثيرات الأزمة، ويضاعف الضغط على الدول الأكثر هشاشة، مما يهدد نسيجها الاجتماعي وأمنها الداخلي.
وبيّن أن تأثير التغير المناخي في الأردن يعكس تحديات جمة على القطاعات الحيوية، خاصة تلك التي يعتمد استقرارها على استدامة الموارد الطبيعية، فالأردن، الذي يعاني من فقر مائي مزمن، يعتمد على تخطيط استراتيجي في إدارة الموارد المائية والزراعية دون أن يأخذ بعين الاعتبار آثار التغير المناخي، ورغم وجود خطط وسياسات تهدف إلى تقليل هذه الآثار، إلا أن هذه السياسات لم تُدمج بفاعلية كافية في آليات صنع القرار السياسي والاقتصادي.
ونوّه وردم إلى أن هذا القصور يضعف قدرته على إحداث تغيير حقيقي في مسار التنمية الشاملة، ويزيد من تأثير نقص التمويل المخصص للمشاريع المرتبطة بالتغير المناخي، ما يستدعي إعادة النظر في سياسات التمويل وآليات تنفيذ المشاريع ذات الطابع البيئي والمناخي.
واستطرد قائلًا إن الأزمات الإقليمية والنزاعات الممتدة، أبرزت الضرورة الملحة لتعزيز الأمن الغذائي والمائي في الأردن، وإدراكه لخطورة الاعتماد الكبير على الإمدادات الخارجية، خاصة مع تعقد الأوضاع في المنطقة. فالأحداث المتكررة، مثل الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية ولبنان، أثرت بشكل مباشر على استقرار سلاسل الإمداد للغذاء والطاقة، في حين أن النزاعات الإقليمية المستمرة حالت دون التوصل إلى اتفاقيات مائية تعاونية فعالة مع دول الجوار، نتيجة غياب الاستقرار أو السلطة المركزية في هذه الدول.
وأشار وردم إلى أن الأردن – ورغم كل التحديات – حقق تقدمًا ملموسًا في تأمين احتياطي استراتيجي من الحبوب الأساسية، وفي تعزيز إنتاج الكهرباء المحلي بحيث تجاوزت نسبة الطاقة المتجددة حاجز 27%، غير أن التحدي الأكبر يكمن في تأمين مصادر مستدامة للنفط والغاز الطبيعي، بأقل تكلفة وبعيدًا عن التأثيرات السياسية.
وفي الوقت ذاته، تظل أزمة المياه التحدي الأكثر تعقيدًا واستمرارية، ما يجعل مشروع الناقل الوطني للمياه مشروعًا ذا أولوية قصوى للحفاظ على استدامة الموارد المائية الضرورية لتلبية الاحتياجات السكانية المتزايدة.، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر أن الأردن عرضة لتأثيرات مناخية واسعة تشمل تراجع كميات الأمطار السنوية، وارتفاعًا في درجات الحرارة، وزيادة ملحوظة في الأحداث الجوية القصوى مثل السيول، مضيفًا أن هذه الظواهر، التي أصبحت ملموسة في وقتنا الحالي، من المرجح أن تتفاقم في العقود القادمة، ما يفرض تحديات جدية على قدرة الدولة على التكيف مع التغيرات المناخية، ورغم التباينات في تنبؤات النماذج المناخية، إلا أن الاتجاهات العامة واضحة، وقد تمت بالفعل مواءمتها جزئيًا في بعض السياسات القطاعية المتعلقة بالمياه والزراعة والتخطيط العمراني.
وأكد وردم أن التحدي الحقيقي يتمثل في دمج هذه المعطيات المناخية ضمن إطار استراتيجي شامل للأمن القومي، بحيث لا تظل السياسات المناخية محصورة في قطاعات فردية، بل تتكامل كجزء أساسي من الرؤية الوطنية للأمن الأردني، وهو ما يتطلب تكاملًا وتنسيقًا مع السياسات الاقتصادية وفق رؤية التحديث الاقتصادي، إلى جانب دور فاعل للمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، الذي ينبغي أن يعترف بأزمة التغير المناخي كأحد المخاطر الأساسية، وأن يطور استراتيجيات وطنية شاملة تتناول الأبعاد الاقتصادية والسياسية والبيئية لهذه الأزمة، بما يعزز مرونة الأردن وقدرته على مواجهة المستقبل بثبات وأمان.