لبنان ما بين السعودية وسوريا
حسين الجغبير
بعد خمسة عشر عامًا من اندلاعها، انتهت الحرب الأهلية اللبنانية بما يعرف باتفاق الطائف، الذي يُعد وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي وضعت بين الأطراف المتنازعة في لبنان، وذلك بواسطة سوريا والسعودية في العام 1989 في مدينة الطائف وأقره لبنان في نفس العام. صحيح أن الحرب الأهلية انتهت حينها، إلّا أن الانقسام في لبنان ما يزال يتواصل حتى يومنا هذا، وخلف أزمات اقتصادية هائلة، وسياسية، حتى بلغ أوجه مع دخول منظمة حزب الله الحرب ضد دولة الاحتلال دعمًا للأشقاء في قطاع غزة، ما زاد من تعرض الدولة الشقيقة لمخاطر تتطلب تحركًا عربيًا لإنقاذها من الانهيار جراء سنوات طويلة من الصراعات السياسية. في الآونة الأخيرة، بدأت ملامح حراك أردني بهذا الاتجاه خصوصًا مع سوريا، والسعودية، نظرًا لدور الدولتين في استقرار لبنان، وقد شاهدنا زيارات أردنية لدمشق والرياض بإعادة تفعيل هذا الدور من أجل إخراج لبنان من المأزق الذي تتجه إليه، وقد يكلف المنطقة كلها خسائر كبيرة تزيد من عدم استقرارها أمنيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا. ومع تصاعد ما يجري في قطاع غزة، والإبادة التي تنفذها آلة السلاح الصهيونية بحق الأشقاء الفلسطنيين هناك، وتصاعد وتيرة الحرب في جنوب لبنان بين حزب الله ودولة الاحتلال، فلا يمكن أن يكون هناك مخرجًا تلجأ إليه لبنان، إلا بإنهاء الحرب في غزة وجنوب لبنان، حيث أصبح مصير هاتين المنطقتين متلازمًا، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما. جهد أردني كبير قاده جلالة الملك منذ السابع من أكتوبر العام الماضي لوقف الحرب على القطاع، وتحذيرات بأن هذا الصراع سيتوسع ما لم تضغط أميركا والمجتمع الدولي على إسرائيل لوقف حربها، وهذا ما تحقق عبر انتقال الحرب نحو جنوب لبنان، والتصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل. لكن، لا شك أن الدور الأردني يتواصل لتحقيق هذه الغاية، لأن الأردن هي الأقدر من بين كافة دول العالم على تقدير ما يجري، وما هي تبعاته التي ستؤثر على العالم أجمع. إلى جانب الجهد الأردني، فلا يمكن التقليل من أهمية الدور السوري السعودي، نتيجة للإرث من الجهود التي بذلتها الدولتان بالتنسيق مع لبنان لضمان تجاوز الخلافات والأزمات الداخلية. لبنان يحتاج اليوم إلى إعادة الألق لاتفاق الطائف، أو البدء في جولة ماراثونية لاتفاق مماثل يحمي الدولة الشقيقة سياسيًا، وأمنيًا، واقتصاديًا، ويدفع بها نحو الاستقرار، بعد أن تغول فيها الخلاف السياسي لعقود طويلة، وهذه بداية الطريق نحو لبنان مستقرًا آمنًا قادرًا على المضي قدمًا نحو الأمام.