مرورا بمجلس الأعيان
جميل النمري
لم تكن بيئة مجلس الاعيان هي المكان المثالي لناشط سياسي لكنها بالتأكيد الطف من بيئة النواب الصعبة المتعبة العبثية التي اقنعتني باللا جدزوى دون اصلاح جذري للحياة السياسية البرلمانية. والحقيقة انني لم اشعر في اي محطة وموقع عملت فيه بانني في زماني ومكاني لأكون بكليتي منغمسا في عمل يصنع تحولا.
في كل محطة كان انغماسي جزئيا وتجريبيا لا يمثلني بالكامل وربما الكتابة هي المكان الوحيد الذي كنت احقق فيه نفسي خصوصا حين يكون السقف المتاح معقولا. ويمكن ان اضيف العمل الحزبي في مرحلة التحديث السياسي لدرجة أنني توقفت عن الكتابة المنتظمة لأتفرغ كليا للجنة التحديث السياسي التي تشرفت بعضويتها ورأيتها فرصة تاريخية لتحقيق مشروع الاصلاح السياسي الذي سعيت له دوما.
واذ فرضت مخرجات التحديث السياسي تحديا على الأحزاب لم تكن جاهزة له فقد تفرغت للمشاركة في بناء الحزب السياسي المؤهل للتصدي للمرحلة الجديدة خصوصا في يسار الساحة السياسية حزب يتمثل مفاهيم الدولة الحديثة ومبادئ الديمقراطية الى جانب قيم المساواة والعدالة الاجتماعية.
في هذا الوقت تشرفت بالارادة الملكية بتعييني عضوا في مجلس الأعيان وقد فرحت بهذا التعيين أولا لأنه استحقاق شخصي يتوج مسيرة طويلة ونظيفة ومخلصة في العمل العام وثانيا لأنه يؤشر على وجهة التحديث السياسي وثالثا لأن الالتزام الخفيف في الأعيان يوفر لي في هذا الوقت بالذات كل الوقت والجهد والامكانيات لمتابعة مشروعنا الحزبي العتيد ( الحزب الديمقراطي الاجتماعي ) والتحضير للانتخابات النيابية القادمة. وبالعادة فائض الوقت عند الأعيان يصرف على التواصل والعلاقات العامة وجلسات الدردشة والعزائم وتطوير الصلات الشخصية والمصلحية وهذه لا اجيدها وليست من طبعي.
واكبت عمل المجلس على كل حال دون تقصير وكنت احضر الاجتماعات واشارك النقاش حتى في اللجان التي لم اكن عضوا فيها. والحق اني وجدت الوضع افضل من الصورة النمطية عن الأعيان. وتحديدا في اللجان حيث تدور نقاشات قوية وحرة، لكن هذا قلما ينتقل الى الجلسة العامة حيث يبقى التحفظ سيد الموقف. وفي حالات نادرة شهدت الجلسات العامة سخونة استثنائية وخطابات معارضة قوية مثل النقاش حول قانون الجرائم الالكترونية حيث شهد 11 مداخلة قوية ومعلنة ضد القانون اعطت لمجلس الأعيان سمعة ايجابية مدوية. واذ كانت اغلب المداخلات من اعضاء محسوبين على اليسار فقد كانت مناسبة لتصويب الانطباع عن معنى التوسع في ذلك المجلس على اليسار بوصفه خيارا سياسيا يواكب مرحلة التحديث السياسي.
لم يتكرر الأمر في المجلس الجديد واعتقد ان لذلك علاقة بفشل اليسار في الانتخابات فقد ذهب اليسار مقسما لعدة قوائم لم تصل العتبة مع ان مجموع الأصوات تساوي عدة مقاعد. هذا مع الأخذ بالاعتبار ان التشكيلة تجنبت عموما التمثيل السياسي الحزبي وتركت الانتقاء لكل الاعتبارات والعوامل الأخرى في دائرة القرار بما في ذلك الحظوة الشخصية وهي لا تغيب في اي تشكيل للأعيان.
بالنسبة لي كانت خسارة مزدوجة أتقبلها بكل اريحية وايجابية فهكذا هو العمل العام لا شيء شخصي ولا اشعر بالخيبة أو الميل للانكفاء، وتجربة التحديث السياسي والحزبي كانت غنية جدا بالدروس للاستفادة منها والبناء عليها لأن المسيرة بكل تأكيد مستمرة، واستطيع أن أمضي بقدر معقول من الاسترخاء وهو حق للصحة البدنية علي في هذه المرحلة من العمر.