عايش لـ"أخبار الأردن": منظومة الحماية الاجتماعية تحتاج إلى إصلاح جريء
قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن هناك خللًا واضحًا في منظومة الحماية الاجتماعية، يتفاقم عند دراسة دور صندوق المعونة الوطنية، حيث يظهر أن حوالي 19% من المستفيدين من هذا الصندوق في الأردن هم أسر يترأسها أو تضم أفرادًا من كبار السن.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه النسبة المرتفعة تشير إلى عدم تمتع كبار السن بالاستقلال المالي الكافي، وانخفاض قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، ما يؤثر سلبًا على مستوى معيشتهم.
وبيّن عايش أن الإشكالية تكمن في أن هذه المعونات لا تواكب التغيرات السريعة في المتطلبات الحياتية والمعيشية، مما يترك كبار السن عرضة لمزيد من الفقر والهشاشة الاجتماعية.
وذكر أن إحدى الدراسات تشير إلى أن 70% من كبار السن الذين يتلقون رواتب تقاعدية من الضمان الاجتماعي يحصلون على رواتب دون خط الفقر، غير أن الدراسة لم تحدد بدقة ما هو خط الفقر الحالي؛ هل هو الخط القديم الذي كان يُقدر بـ68 دينارًا شهريًا، أم أنه تم تحديثه ليصبح 100 دينار شهريًا؟، منوّهًا إلى أن عدم الوضوح هذا يعكس فجوة في تحديد المعايير التي تُمكن من الحكم على مدى كفاية رواتب التقاعد.
وأشار عايش إلى أن الحكومة الأردنية، في عهد الدكتور عمر الرزاز عام 2019، رفعت الحد الأدنى الأساسي لراتب التقاعد إلى 100 دينار، وهو الحد الأدنى الذي بات يُطبق على جميع المتقاعدين منذ ذلك الحين، مضيفًا أن هذا الرقم أتى بهدف تحسين أوضاع المتقاعدين الذين كانت أجورهم الأساسية منخفضة، حيث استفاد من هذا القرار حوالي 56,000 متقاعد، ومع ذلك، يبقى السؤال حول ما إذا كان هذا الحد الأدنى يكفي لمواكبة التغيرات المعيشية والاقتصادية الراهنة.
وأردف قائلًا إن تقرير الضمان الاجتماعي لعام 2022 يُظهر أن 10.4% من المتقاعدين يتقاضون راتبًا تقاعديًا يقل عن 200 دينار شهريًا، و54.3% منهم يحصلون على رواتب تتراوح بين 200 و400 دينار. أما متقاعدو الشيخوخة الإجبارية، فإن نسبة 4.1% منهم تتلقى رواتب تقل عن 200 دينار، وهذا يعني أن جزءًا كبيرًا من المتقاعدين يعانون من ضعف الرواتب، وهذه الأرقام، وإن بدت دقيقة، تتطلب مراجعة لتحديد مدى انعكاسها على مستوى معيشة كبار السن، خاصة أن التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة قد يزيدان من معاناتهم.
ولفت عايش إلى ما جاء في التقرير بشأن التوقعات للعام ٢٠٥٠ والتي تظهر أن نسبة كبار السن ستصل إلى 16.6٪ من إجمالي السكان، ما يعني أن المجتمع الأردني سيشهد تحولًا ديموغرافيًا نحو مزيد من الشيخوخة خلال العقود الثلاثة القادمة، منبهًا من أن هذه التحولات تتطلب استراتيجيات متقدمة تتجاوز التركيز على الحاضر فقط، لتضمن توافر الحماية الاجتماعية والمالية لكبار السن في المستقبل.
ولتحقيق ذلك، أكد أنه من الضروري تحسين الرواتب التقاعدية، ورفع الحد الأدنى للمعاشات بما يتناسب مع الزيادة في تكاليف المعيشة، إلى جانب تعزيز النمو الاقتصادي الذي يراعي احتياجات كبار السن، كما أن الابتكار في توفير فرص عمل جديدة لكبار السن يمكن أن يسهم في تحسين وضعهم المالي، مشيرًا إلى إمكانية الاستفادة من التطورات التكنولوجية المتسارعة، حيث ستتيح التقنيات الرقمية لكبار السن العمل عن بُعد، ما يتيح لهم الاستمرار في المساهمة في الاقتصاد الوطني.
وبيّن أن هذه الاستراتيجيات تحتاج إلى مرونة في تطبيقها، وإلى تعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، لتوفير بيئة عمل مناسبة لكبار السن، كما أن تشجيعهم على العمل في الوظائف التي تتطلب مهارات رقمية، والتي من المتوقع أن تكون أكثر انتشارًا خلال العقود القادمة، سيسهم في رفع مستوى معيشتهم، وبما أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، فإن توفير فرص لتعلم هذه المهارات لكبار السن يمكن أن يعزز قدرتهم على البقاء نشطين اقتصاديًا.
نقطة أخرى لا تقل أهمية هي الرعاية الصحية، فمع ازدياد نسبة كبار السن في المجتمع، ينبغي وضع سياسات صحية متكاملة تضمن لهم رعاية متواصلة، تتناسب مع أعمارهم واحتياجاتهم الصحية المتزايدة، وارتفاع متوسط العمر المتوقع، الذي وصل إلى حوالي 74-75 عامًا، يعني أن كبار السن سيظلون نشطين لفترة أطول من المتوقع، وعليه، يجب أن تتوجه الجهود نحو توفير حماية شاملة تشمل الصحة، الدخل، والنقل، وحتى التعليم المستمر، وفقًا لما صرّح به عايش لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وحذّر من أن بقاء المجتمع في إطار الاستراتيجيات الحالية دون تطويرها يُعد قاصرًا عن مواكبة التحولات الكبيرة المتوقعة في العقود القادمة، الأمر الذي يتطلب رؤية بعيدة المدى تعتمد على بيانات دقيقة، وتحليل متعمق للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.