350 عاما من الانتظار لتعافي الاقتصاد في غزة؟
مالك العثامنة
في تقرير أممي صاعق تم نشره مؤخرا، كشف عن توقعات صادمة تفيد بأن تعافي اقتصاد غزة من الدمار الذي لحق به قد يستغرق نحو 350 عامًا. هذا الرقم المذهل لا يعكس فقط عمق الأزمة الاقتصادية في القطاع، بل يشير إلى حجم الكارثة التي يعانيها أهالي غزة جراء الحروب المتكررة والحصار الذي يستمر منذ سنوات طويلة.
الأمر لا يتعلق بمجرد أرقام جامدة، بل بحياة ملايين البشر الذين أصبحوا رهائن لواقع اقتصادي مميت.
إن الحديث عن 350 عامًا كفترة تقديرية لتعافي اقتصاد غزة ليس مجرد تحذير، بل هو بمثابة صفعة في وجه المجتمع الدولي والإقليمي. فالإحصاءات تشير إلى أن حجم الدمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتعليم والصحة يجعل من مهمة إعادة إعمار القطاع مهمة شبه مستحيلة في المدى القريب، هذا يعني أن سكان غزة محكومون بالعيش في ظروف تزداد سوءًا مع مرور الوقت، ومع انعدام أفق الحل السياسي أو الاقتصادي، يظل هذا الرقم إشارة إلى مستقبل مظلم.
لا شك أن العالم بأسره، وليس فقط غزة أو الإقليم، سيدفع ثمن هذه الأزمة، فالتحديات التي ستواجهها دول المنطقة ستتضاعف إذا استمر الوضع على حاله، فغزة ليست مجرد بقعة صغيرة محاصرة، بل هي جزء من شبكة اقتصادية أوسع ترتبط بالإقليم والعالم.
إن تدمير الاقتصاد الغزي يعني تعريض استقرار المنطقة لخطر دائم، فكلما طال أمد الأزمة، زادت التكلفة التي سيتحملها المجتمع الدولي والدول المجاورة لإعادة البناء وتقديم المساعدات الإنسانية.
ولكن هل يمكن اعتبار هذا الوضع مجرد نتيجة طبيعية للصراع؟ أم أن هناك سياسة ممنهجة تستهدف جعل غزة مكانًا غير صالح للحياة؟ فالحصار المستمر والتدمير الممنهج للبنية التحتية يشيران إلى أن إسرائيل قد تكون تسعى لتحقيق هدف أبعد بكثير من مجرد الحفاظ على أمنها، وأن الهدف قد يكون تفريغ غزة من سكانها عبر خلق واقع اقتصادي مستحيل، حيث يدفع الفقر والبطالة وانعدام الخدمات الأساسية الناس إلى الهجرة أو النزوح، مما يجعلها وبوضوح سياسة تطهير سكاني جديدة، ليست بالقنابل والصواريخ فقط، بل عبر القوة الاقتصادية.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى الوضع في غزة على أنه محاولة لفرض واقع جديد في المنطقة، فإسرائيل، التي طالما استخدمت القوة العسكرية لتحقيق أهدافها، يبدو أنها اليوم تلجأ إلى أدوات أخرى لتحقيق هدفها، ومن ذلك استخدام الاقتصاد الذي بات سلاحًا فعالًا في هذا الصراع، حيث يتم تدمير مقومات الحياة اليومية للغزيين، مما يدفعهم إلى الهجرة أو النزوح نحو أماكن أخرى. والهدف النهائي واضح: تقليص عدد السكان في غزة وجعلها منطقة غير صالحة للحياة البشرية.
الخلاصة أن دمار غزة ليس مجرد كارثة إنسانية أو اقتصادية محلية، بل هو أزمة عالمية تتطلب حلولًا جذرية.
العالم بأسره سيضطر إلى التدخل لتحمل مسؤولية إعادة إعمار القطاع، لكن السؤال الأكبر يبقى: هل سنستمر في مشاهدة هذا الدمار يتكرر مع كل جولة صراع؟ وهل سنظل ننتظر 350 عامًا حتى يتعافى اقتصاد غزة؟ أم أننا بحاجة إلى حل سياسي حقيقي يضمن للفلسطينيين حقوقهم، ويوقف هذا النزيف المستمر؟