بين ضبط الردود والضربات النوعية: كيف تستعد إسرائيل لمواجهة مستقبلية مع إيران؟
د. عامر السبايلة
جاء الرد الإسرائيلي على ايران مضبوطاً بشكل كبير وفقاً للرغبة الأميركية، حيث استهدف مواقع عسكرية في توقيتٍ لا يحمل تداعيات إقليمية على المستويات الأمنية، المدنية، أو الاقتصادية.
ويمكن النظر إلى هذا الرد باعتباره خطوة وضعت إيران في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة؛ فإسرائيل بعمليتها المحدودة جعلت واشنطن الضامن المباشر للتدخل ضد أي رد إيراني، مما يعني أن واشنطن هي التي ستتعامل مع أي رد مقبل. هذا التكتيك يحد من خيارات إيران للرد، وهو ما قد يفضله الجانب الإيراني في هذه المرحلة تفادياً لمواجهة مباشرة مع إسرائيل وحلفائها.
الجانب الأهم في هذه الضربة يكمن في تأسيسها لنقاط استراتيجية مستقبلية بالنسبة للإسرائيليين، أولاها استباحة الأجواء الإيرانية، وإثبات قدرة القوة الجوية الإسرائيلية على الوصول إلى عمق إيران والقيام بضربات سواء عبر الطائرات التي تقطع مسافات طويلة أو بالصواريخ الدقيقة التي يصعب اعتراضها. في حين تم تنفيذ هذا الرد بما يتوافق مع الرغبة الأميركية شكلياً، إلا أنه عملياً كسر الحاجز الاسرائيلي الأهم بالنسبة لإيران: التوجه نحوها بعملية منفردة ومباشرة.
وإذا كان اليوم بالإمكان تحديد الأهداف استجابة لرغبة الادارة الديمقراطية، فقد يصبح هذا أكثر صعوبة مستقبلاً إذا اقتنعت إسرائيل بقدرتها على الوصول إلى العمق الإيراني وتنفيذ أهداف مباشرة.
أما العنصر الآخر، فهو استهداف مواقع عسكرية إيرانية وقدرات الدفاع الجوي، مما يهدف إلى تحويل السماء الإيرانية إلى سماء مُستباحة ومنطقة مكشوفة أمام العمليات الإسرائيلية متى شاءت. هذه المعادلة التي ترغب اسرائيل في رسمها لشكل المواجهة المستقبلية مع ايران.
ورغم أن إسرائيل، المنهمكة بتأمين حدودها من غزة إلى الضفة الغربية وسوريا ولبنان، قد لا تكون معنية بفتح مواجهة مباشرة مع إيران، إلا أنها مهتمة بضرب الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي يفسر تركيزها على استهداف الحرس الثوري دون المساس بالبنية التحتية الإيرانية أو المنشآت الحيوية، بما فيها منشآت الطاقة.
في اطار هذه المواجهة المستمرة مع الحرس الثوري الإيراني، قد تدفع إسرائيل في المرحلة القادمة تجاه العمل داخل العمق الإيراني. فاستباحة الأجواء الايرانية قد يرافقه رغبة إسرائيلية لاستباحة الأرض الإيرانية عبر عمليات غير تقليدية. مما يعني احتمالية وقوع عمليات نوعية أو استخبارية، وربما كثافة في العمليات السيبرانية، تهدف إلى إحداث ضربات داخل إيران وخلق مناخ واسع من عدم الاستقرار السياسي والذي يمكن ان يتم استثماره داخلياً من قبل تيارات إيرانية معتدلة لإضعاف التيارات المتشددة المسيطرة على السياسة الخارجية والحد من سطوتها على السياسة الايرانية.
الضربة الإسرائيلية الموجهة لإيران لا يمكن قراءتها فقط من زاوية المواجهة بين اسرائيل وايران، بل أيضاً كخطوة لإرضاء الإدارة الديمقراطية الأميركية في توقيت حساس قبيل الانتخابات الرئاسية.
ومن جانبها، قد تجد الإدارة الأميركية نفسها ملزمة بتقديم شيء مقابل ضبط إسرائيل لردها الذي قد يكون سمح بإنهاء فترة الديمقراطيين دون وقوع حرب واسعة. في المقابل، استطاعت واشنطن من خلال هذا الرد الإسرائيلي ضبط أي رد إيراني محتمل، ولكنها قد لا تملك النفوذ نفسه لضبط التحركات العسكرية الإسرائيلية في الجبهات المفتوحة، والتي تعتبر الأهم بالنسبة لإسرائيل اليوم، مثل سوريا ولبنان وحتى العراق، الذي عاد مجدداً لدائرة الاستهداف الإسرائيلي.
في هذا التوقيت، قد تجد إسرائيل فرصة للاستفراد وتعزيز الضغط على هذه الجبهات، مما قد ينذر بتصعيد أكبر ضد حزب الله في لبنان والميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق. وقد يجد هذا التصعيد دعماً أميركياً واسعاً، خاصةً أن واشنطن تصنف العديد من هذه الجماعات كإرهابية وتشكل تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل، ما يتطلب مواجهتها لمنع تكرار أحداث السابع من أكتوبر.
تبقى المواجهة مع الحرس الثوري الإيراني مفتوحة ومؤجلة بشكلها المباشر، لكنها مستمرة بصورتها الحالية عبر استهداف أدواته في المناطق القادرة على نقل الأزمة إلى الداخل الإسرائيلي، وبأسلوب نوعي واستخباري في أماكن أخرى، بما فيها الداخل الإيراني.
في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية القادمة، تحاول إسرائيل استغلال كل يوم لتعميق مكاسبها من الحرب الدائرة في محيطها والحرب غير المباشرة مع الحرس الثوري. الهدف هو إبقاء الجبهة مفتوحة، سواءً مع وصول إدارة جمهورية قد تبارك أي هجوم كبير محتمل وقد تشارك فيه، أو من خلال إضعاف الحرس الثوري وتجريده من أدواته، في حال عودة إدارة ديمقراطية للتعامل مع أمر واقع يحد من خطر الحرس الثوري ويجعل مسألة استهدافه داخل إيران أمراً ممكناً للغاية.