الأردن: غياب تام للتوعية الصحية يؤدي إلى ارتفاع فاتورة العلاج، دور من هذا؟

{title}
أخبار الأردن -

 

كتب أ.د. محمد الفرجات

يؤدي نقص الدور التوعوي للمواطنين بجميع فئاتهم، الذي من المفترض أن تتولاه وزارة الصحة، وشركات التأمين الصحي، والمؤسسات المؤمنة، إلى تزايد الأعباء الصحية والاقتصادية على الدولة. ويظهر أثر هذا التراخي في ارتفاع فاتورة العلاج السنوية التي يتحملها الأفراد والمؤسسات الصحية على حدٍ سواء، حيث يُصرف جزءٌ كبيرٌ من الميزانية الحكومية والمؤسساتية لتغطية تكاليف الأمراض المزمنة والحالات الطبية التي يمكن الوقاية منها.

تتعاظم هذه التكلفة على حساب النفقات الأساسية الأخرى التي قد تسهم بشكل مباشر في تحسين نوعية الحياة لدى المواطنين، كالتعليم، والبنية التحتية، والتطوير الاجتماعي. ويظهر هنا التناقض الصارخ، حيث يتم توجيه ميزانيات ضخمة للعلاج، بينما يمكن استثمار جزء قليل منها في التوعية الصحية المستمرة، ما ينعكس إيجابيًا على صحة المواطن وتخفيف الأعباء المالية.

أهمية التوعية الصحية لتخفيف العبء على القطاع الصحي

تمثل التوعية الصحية وقايةً مجتمعيةً، إذ إن المواطنين الأصحاء يحتاجون إلى خدمات علاجية أقل، مما يقلل من تكاليف العلاج الباهظة التي يتكبدها كل من المواطنين والمؤسسات. في الواقع، أثبتت التجارب العالمية أن نشر الوعي الصحي حول أهمية الأنماط المعيشية الصحية، وتجنب العادات الضارة، يمكّن من تقليص معدلات الأمراض المزمنة، مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، التي تستهلك الموارد المالية والطبية.

التدخين والأرجيلة مثالاً: يمثل انتشار التدخين والأرجيلة بين الشباب والأمهات أحد التحديات الكبيرة. فالإدمان على التدخين يتسبب في تزايد حالات السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية التي تستنزف القطاع الصحي. إضافة إلى ذلك، يعد سهر الشباب والنوم بالنهار نتيجة البطالة أو الأنماط الحياتية غير الصحية من المشاكل الخطيرة التي تؤدي إلى اضطراب الساعة البيولوجية، ما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية، ويزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.

أثر عدم ممارسة الرياضة وتدهور بيئة الأحياء السكنية على الصحة

تفتقر معظم الأحياء السكنية إلى مساحات خضراء أو مرافق مخصصة لممارسة الأنشطة البدنية، ما يجعل معظم المواطنين والأمهات على وجه الخصوص غير قادرين على ممارسة رياضة المشي. يعاني الأطفال كذلك من قلة الحركة بسبب غياب الساحات الترفيهية الملائمة، فبقيت الأجهزة اللوحية وألعاب الفيديو بديلاً لممارسة النشاط البدني، مما يزيد من احتمالات السمنة وأمراض المفاصل والقلب. ويطرح هنا تساؤل جاد عن دور البلديات ووزارة الأشغال في إنشاء أحياء تلبي احتياجات السكان من مرافق وحدائق ومساحات عامة، فالأحياء المكتظة دون مرافق تعد كالسجون الكبيرة، الأمر الذي يعود بالسلب على صحة السكان. وهنا نلوم بعض المهندسين الذين خططوا معظم أحياءنا بهذا الشكل الحزين، ونتساءل عن مصادر شهاداتهم !!!

أثر الغذاء غير الصحي وضعف الرقابة الغذائية

إضافة إلى سوء التصميم العمراني، يتعرض المواطنون كذلك لخطر آخر يتمثل في تدني جودة الغذاء بسبب ضعف الرقابة الغذائية. فالأغذية تُعرض تحت الشمس في الأسواق، وتُصنع باستخدام الملونات الصناعية، والنكهات المضافة، والمواد الحافظة في المصانع. هذه المواد، مع مرور الوقت، تؤثر سلبًا على صحة المستهلكين وتزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض، بدءًا من الحساسية واضطرابات الهضم، إلى الأمراض المزمنة وحتى السرطان. تطبيق برامج رقابية صارمة على سلامة الغذاء ومعايير تصنيعه يُعد ضرورة حتمية لحماية صحة المواطنين.

تأثير تدهور صحة المواطنين على الأمن القومي

إن تدهور الصحة العامة لا يُضعف الأفراد فقط، بل يضعف كذلك الدولة، حيث تصبح قوى العمل أقل إنتاجية، وتزداد الحاجة إلى الرعاية الصحية، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد المالية والبشرية. وتشير الدراسات إلى أن مجتمعًا صحيًا يؤدي إلى ارتفاع الإنتاجية، وتقليل التكاليف العلاجية، وزيادة قدرة الدولة على الاستجابة للأزمات والكوارث، الأمر الذي يُعزز من قوة الأمن القومي ويضمن استدامته.

صحة المواطنين هي صمام الأمان للدولة، حيث لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة أو الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والأمني دون ضمان صحة مواطنيها. فالدولة التي تضمن جودة الحياة لمواطنيها تعزز من ولائهم وثقتهم بها، وتستطيع بناء جيل قادر على مواجهة التحديات، ما يضمن استمرارية القوة الوطنية.

مقترح: خطة خمسية لتخفيف فاتورة العلاج عن طريق التوعية

لتخفيض فاتورة العلاج بشكل ملحوظ، يمكن للدولة وضع خطة توعية صحية شاملة تمتد لخمس سنوات، حيث يتم فيها استهداف المواطنين بجميع فئاتهم لتعزيز الوعي الصحي، وتشجيع نمط الحياة الصحي. وتشمل هذه الخطة:

1. حملات توعية شاملة: استثمار وسائل الإعلام التقليدية والحديثة لنشر الوعي الصحي بشكل واسع.


2. التوعية المدرسية: تضمين برامج تعليمية عن الصحة والغذاء السليم ضمن المناهج المدرسية.


3. مرافق لممارسة الرياضة: مطالبة البلديات بتهيئة الحدائق والأماكن الآمنة لممارسة الرياضة.


4. رقابة غذائية صارمة: إلزام المصانع والأسواق باتباع معايير سلامة الغذاء.


حسابات التكلفة والعائد

عند تحليل تكلفة خطة التوعية الصحية والعائد منها، نجد أن تخصيص ميزانية معينة لنشر الوعي الصحي يحقق عوائد كبيرة على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال:

تقليل الإنفاق على علاج الأمراض المزمنة من خلال الوقاية منها.

زيادة الإنتاجية للموظفين الذين يتمتعون بصحة جيدة، مما يعزز النمو الاقتصادي.

تقليل الإجازات المرضية مما يقلل الضغط على النظام الصحي.


إن الاستثمار في التوعية الصحية لا يعود بالنفع على الأفراد فحسب، بل يُسهم بشكل مباشر في استدامة الأمن القومي للدولة. إنّ صحة المواطنين جزء لا يتجزأ من قوة الدولة، وعليه، يجب أن تتضافر جهود وزارة الصحة وشركات التأمين والمؤسسات المؤمنة في بناء ثقافة صحية، وتوفير بيئة تدعم خيارات نمط الحياة الصحي، حتى ينعم المواطنون بحياة كريمة تضمن لهم ولأبنائهم مستقبلًا أفضل.

ملاحظة: أراهن بأن لا أحد سيقرأ مقالي، ولن يستفيد منه أحد، ولن يتحقق شيء، وسابقى أنا المجنون الوحيد الذي يصيغ المقالات ويقرأها.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير