شرق المتوسط مرة أخرى
مالك العثامنة
هي حرب تسويات الإقليم، كل ما نراه اليوم من عنف ودمار هي حرب تسويات جذرية لكل ما هو راديكالي في الإقليم.
بعد جائحة كورونا التي حجرت العالم كله، ثم الحرب في أوكرانيا انتبه العالم إلى سلاسل التزويد المترافقة مع ثورة بشرية في تكنولوجيا المعلومات، وهذا يتطلب قواعد عالمية جديدة لتنظيم التجارة والاقتصاد العالمي.
العالم مختلف تماما عن السابق، أنت اليوم قادر على إجراء صفقة تجارية تبدأ من قطعة ملابس ولا تنتهي إلى حدود باخرة تحمل مواد غذائية وكل ذلك بكبسة زر على أجهزة تقوم بعمل المحاسبة والتبادل المالي والقياس وتحويل العملات بنفس الوقت، وحين تتم الصفقات فلا بد من نقلها بيسر وأمان.
والشرق الأوسط قلب العالم وأوسطه، والأزمات فيه خطر على كل ما تم ذكره فلا بد من تسويات كاملة تمهد لطريق عالمي جديد يبدأ من القارة الهندية ويربط جنوب شرق آسيا بكل ما فيها بقلب العالم وأوسطه إلى باقي أوروبا وأفريقيا والأميركيتين.
هذا متغير ثنائي تتوازى فيه التكنولوجيا الرقمية مع خطوط نقل عالمية جديدة لتحقيقه، غير متغير لا يقل أهمية وهو الطاقة، التي نقلت النفط من رأس الهرم نزولا متسارعا "وسيستمر النزول" ورفع من أولويات أنواع طاقة جديدة أكثر وفرة وأكثر تجددا وأكثر نظافة وهو ما يجعل الغاز عنوان الطاقة الجديدة في العالم وأماكن وجوده لا بد من تأمينها بقوة وبالقوة لاستخراجه وضخه لكل أرجاء الكوكب.
منذ كان المبعوث الأميركي هوكشتاين في زياراته المكوكية إلى لبنان مفاوضا على تقسيم الحقوق في السيادة البحرية على المتوسط بين لبنان وإسرائيل إنما كان يضع خطوط الترسيم لحقول الغاز الوفيرة جدا في شرق المتوسط، وللمفارقة فإن وفرتها أكثر ما تكون أمام سواحل غزة، منذ كانت الرحلات الهوكشتانية كان هناك بدايات ترتيب للمنطقة، كان هوكشتاين مبعوثا أميركيا رسميا من واشنطن وهذا لا يخفي جنسيته الإسرائيلية أيضا وكونه خدم سابقا في صفوف الجيش الإسرائيلي يزور لبنان الأكثر تشددا في "التطبيع" ومع ذلك كانت لقاءاته دوما حصرية مع السيد نبيه بري، أقرب نقطة "سياسية" لحزب الله.
إيران، التي صار للتيار الإصلاحي فيها مخالب تزيل وتقصي وتمارس "التحييد" لشخصيات راديكالية في داخل الماكينة الإيرانية الرسمية تدرك أن التسويات من صالحها، تيار الإصلاح يغير من الداخل مما غير قواعد اللعبة فلم يعد قلب النظام في طهران مطلبا أساسيا لواشنطن وأوروبا بقدر ما هو تغيير النظام من الداخل والقضاء على كل أجسام متوازية في الدولة تنافسها على السلطة، الحرب هي على الحرس الثوري الإيراني وكل تفرعاته الإقليمية.
لكن ماذا عن اليمين الإسرائيلي المتطرف والذي يدمر بلا هوادة ولا تردد ولا أي معنى للأخلاق؟
هل يأتمن العالم في خطته للتسويات على كل مصالحه القادمة هذا التطرف البشع والراديكالي المؤمن بالتوسعية العسكرية والتفوق العصبوي والديني؟
الحلقة الأخيرة– باعتقاد كثيرين- ستكون تصفية هذا اليمين المتطرف في النهاية وانزياح المزاج الإسرائيلي نحو مفاوضات جادة لن تكون منطقية بالمطلق بدون حقوق كاملة للشعب الفلسطيني في دولة يقرر فيها مصيره.