تفاؤل وتحديات أمام حكومة الرئيس جعفر حسان
نضال منصور
مضى ما يُقارب الشهر على تشكيل حكومة الدكتور جعفر حسان، ويعرف الرئيس قبل غيره صعوبة المهمة، فحرب الإبادة الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة، أكملت عامها الأول، وهي اليوم تتوسع في العدوان على لبنان، وتنذر بحرب إقليمية تُشعل المنطقة برمتها، والجميع يعلم دون حاجة لدراسات عميقة تداعيات كل ما يحدث على الوضع السياسي والاقتصادي في الأردن.
رغم الواقع الذي يدعو للتشاؤم، ويقلل من مساحات التفاؤل، فإن الدولة الأردنية في مواجهة كل العواصف السياسية في العقود الماضية كانت قادرة على التكيّف، والنهوض من جديد، بل وتحقيق قصص نجاح في البناء، والتحديث.
أول ما يلفت الانتباه أن رئيس الحكومة يأتي محملا بسمعة إيجابية في العمق في التعامل مع القضايا الإشكالية، وقربه لسنوات طويلة من الملك أعطاه الخبرة الضرورية في التعامل مع الأطراف المؤثرة، وصانعة القرار في الدولة الأردنية، وربما من المهم الأشارة إلى أن الرئيس الجديد يتمتع بسعة صدر في التعامل مع الاختلاف، والمختلفين معه، وهذا يُسهم في زيادة انفتاح الحكومة، وعدم إغلاق الأبواب أمام تعدد الآراء، ويُقلل من فرص الخصوم للانقضاض على الحكومة.
يأتي تشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية التي حملت بذور التحديث والإصلاح السياسي، ورغم الاعتقاد أن الرئيس سيواجه صراعا تحت قبة البرلمان، فإنني أعتقد أن الحكومة إن أحسنت إدارة ملف العلاقة مع البرلمان فستكون أكثر قوة، ومنعة، وتعطيها الأحزاب المعارضة شرعية أكبر عند الشارع.
هذه الفرضية ليست وهما، والعودة إلى برلمان عام 1989 حين كان للإخوان المسلمين 22 مقعدا، والمعارضة القومية واليسارية 17 مقعدا بما يقترب من نصف مقاعد مجلس النواب حين كان يضم 80 نائبا، يؤكد ما نقول، فقد اجتازت حكومة مضر بدران آنذاك وما تبعتها من حكومات عاصفة احتلال نظام الرئيس صدام حسين للكويت، والارتدادات الكارثية على الأردن.
يمر الأردن بتهديد صارخ في ظل وجود حكومة إسرائيلية فاشية، وتوسعية، تريد أن تتمدد في الإقليم، والسلام ليس من أبجدياتها، وقد تتعاظم المخاطر أكثر إن أفضت الانتخابات الأميركية القادمة عن فوز، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض.
رغم تعقيد المشهد فإن الدبلوماسية الأردنية النشطة، والفاعلة بقيادة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، التي سجلت مواقف تاريخية في تعرية كيان الاحتلال الإسرائيلي في كل المنابر الدولية منذ العدوان على غزة، قادرة على المواجهة، ومجابهة كل المطامع التي تمس المصالح الأردنية، وأيضا قادرة على حشد الحلفاء دفاعا عن الأردن وفلسطين.
حازت حكومة الدكتور جعفر حسان على ثقة نصف الأردنيين في استطلاع مركز الدراسات الإستراتيجية، وهي بداية معقولة بعدما تراجعت الثقة بالحكومات، لأنها تُطلق الوعود ولا تنفذها، والمطلوب من الحكومة مثلما طالبت الأغلبية في استطلاع الرأي تحسين الوضع الاقتصادي، ومعيشية الناس، فالفقر والبطالة يهددان كل شيء، وكل الحديث عن الإصلاح السياسي، والاقتصادي، والإداري لا قيمة له إذا كان المواطن جائعا.
على الحكومة أن تعمل لتحقيق الرفاه لمواطنيها، وأن تكون قادرة على التفكير خارج الصندوق، وابتكار الحلول دون الاعتماد على جيب المواطن باعتبارها أسهل الحلول للتعامل مع المديونية، ورفد الموازنة العامة، وليس معقولا، ولا مقبولا أن تتحدث الحكومة مثلا عن تنويع مصادر الطاقة، والاقتصاد الأخضر، وتحارب الطاقة المتجددة، وتفرض على استخداماتها شروطا مرهقة، وأيضا ترفع الضريبة على سيارات الكهرباء.
دون التوقف عند تدوير بعض أسماء الوزراء، مع التذكير أن بعضهم ناجح، فإن المطلوب من الحكومة الجديدة إعادة الاعتبار لآليات تقيم العمل والإنجاز، ووضع الخطط القابلة للقياس، وأن تزود الجمهور بقصص النجاح، وأيضا آليات المساءلة للإخفاق، والتقصير.
عناوين مهمة للإنجاز لأي حكومة، في مقدمتها تحسين جودة التعليم، والصحة، والنقل العام، فإنْ فعلت حكومة الرئيس حسان، وأحرزت تقدما فسنرفع لها القبعات.
شخصيا متفائل أن هذه الحكومة بقيادة رئيسها الذي أحترمه، وأقدره قادرة على الإنجاز، وترجمة الأقوال إلى أفعال، والمضي في طريق الإصلاح بكل أشكاله، فلا تعطي «غماز» على اليسار وتذهب لليمين، فتصبح كل خططنا، وشعاراتنا فقاعات في الهواء.