الأطباء في مأزق.. تفاقم البطالة وقطاع يتأرجح وسياسات غير مدروسة

{title}
أخبار الأردن -

 

قالت عضو مجلس نقابة الأطباء الأردنيين الدكتورة مها الفاخوري إن أزمة البطالة بين الأطباء في الأردن أصبحت وجهًا من أوجه البطالة العامة التي تزداد تفاقمًا بين الشباب الأردني، إلا أن بطالة الأطباء تحمل مؤشرات أعمق لسياسات تعليمية واقتصادية لم تكن موفقة.

وأضافت في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن نقابة الأطباء عقدت اجتماعًا مهمًا في عام 2016، تم التحذير من خلاله بأن السنوات الأربع أو الخمس المقبلة ستشهد تدفقًا كبيرًا من الأطباء إلى سوق العمل، مع توقعات بزيادة عدد الأطباء بمقدار 38 ألف طبيب.

وسلّطت الفاخوري الضوء على نقابة الأطباء الأردنية، التي تُعد من أقدم النقابات المهنية في البلاد، إذ تأسست في عام 1944. في البداية، كانت النقابة تضم الأطباء والصيادلة معًا. حتى عام 2016، كان عدد الأطباء في الأردن يبلغ حوالي 28 ألف طبيب، لكن في السنوات القليلة الماضية، شهدنا طفرة كبيرة ليتجاوز العدد 44 ألف طبيب حاليًا.

وبيّنت أن هذه الزيادة السريعة في أعداد الأطباء تعود بشكل كبير إلى توسع كليات الطب في البلاد، فالأردن، بالرغم من عدد سكانه الذي بلغ حوالي 11 مليون نسمة، لديه سبع أو ثماني كليات طب، وهو عدد كبير مقارنة بدول أخرى. مضيفة أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو استقبال بعض الكليات سنويًا ما يزيد عن 1500 طالب في العام الدراسي الواحد، في حين أن الجامعات العالمية الرائدة مثل هارفارد وكامبريدج تضع شروطًا صارمة لقبول الطلبة في كليات الطب، وتقبل سنويًا ما لا يزيد عن 200 طالب.

وقالت إن التوسع غير المدروس في التعليم العالي، وخاصة في مجال الطب، أدى إلى تخريج أعداد هائلة من الأطباء، وهو ما يزيد من تعقيد أزمة البطالة. مبينة أن عام 2016 شهد إصدار توصيات من نقابة الأطباء بضرورة وقف منح التراخيص لكليات طب جديدة، خاصة الكليات الخاصة، إلا أنه تم تجاهل هذه التوصيات، ومنذ ذلك الحين، تم افتتاح أربع كليات طب جديدة، مما ساهم في تضخيم الأعداد بشكل كبير.

وحتى نفهم حجم الأزمة بشكل أفضل، يمكننا أن نقارن الوضع في الأردن ببريطانيا، التي يبلغ عدد سكانها 76 مليون نسمة، ولديها 52 كلية طب، ويُتوقع أن يتخرج منها حوالي 40 ألف طبيب خلال السنوات الخمس المقبلة. في المقابل، يُتوقع أن يخرج الأردن، الذي يبلغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة، حوالي 38 ألف طبيب خلال نفس الفترة، مما يضعنا أمام أزمة واضحة في استيعاب هذه الأعداد الكبيرة.

الاستثمار غير المدروس في التعليم الطبي

وذكرت الفاخوري أن الانتشار الواسع للجامعات الخاصة في الأردن أدى إلى ما يمكن وصفه بـ"التعليم التجاري"، حيث أصبحت الكليات تُفتح دون دراسة حقيقية لاحتياجات السوق أو جودة التعليم المقدم. في وقتٍ يتطلب فيه التعليم الطبي بنية تحتية ضخمة تشمل مختبرات متقدمة، مستشفيات تعليمية، وكوادر تعليمية مؤهلة، إلا أن بعض الجامعات التي تقدم تعليم الطب لا تمتلك هذه المقومات بالكامل، ما يؤثر سلبًا على جودة التعليم.

وعلى الرغم من وجود كفاءات متميزة في بعض الجامعات الأردنية، إلا أن الاكتظاظ في صفوف الطلبة يؤدي إلى ضعف في جودة التعليم، فبدلًا من أن يكون عدد الطلبة في المحاضرات أو الجولات السريرية محدودًا، كما هو الحال في الجامعات العالمية، نجد أن الأعداد الكبيرة تحول دون تقديم تعليم فعّال وشخصي لكل طالب. مضيفة أن هذه الأعداد الكبيرة تؤدي أيضًا إلى تراجع في مستوى التدريب العملي، حيث لا يحصل الأطباء الشباب على الفرص الكافية للمشاركة في العمليات الجراحية أو الجولات الطبية مع المشرفين.

تأثير السياسات التعليمية على البطالة بين الأطباء

وقالت الفاخوري إن الاعتماد على تصدير الأطباء إلى الخارج لم يعد كافيًا لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين. سوق العمل في دول الخليج، الولايات المتحدة، وأوروبا لم يعد يستوعب جميع الخريجين الأردنيين، لأن هذه الدول تستقطب الأطباء من مختلف أنحاء العالم، وليس فقط من الأردن. وبالتالي، فإن فائض الأطباء بات يمثل تحديًا داخليًا كبيرًا.

ووفقًا للإحصاءات العالمية، فإن المعدل المثالي هو 20 طبيبًا لكل 10 آلاف نسمة. أما في الأردن، فقد ارتفعت هذه النسبة إلى 31 طبيبًا لكل 10 آلاف نسمة. ورغم أن هذه الأرقام قد تبدو إيجابية على السطح، إلا أنها تخفي وراءها مشكلة كبيرة تتعلق بالتوزيع الجغرافي والفرص المتاحة لهؤلاء الأطباء. معظم الأطباء يتمركزون في المدن الكبرى مثل عمان، إربد، والزرقاء، في حين تظل المناطق النائية مثل الجنوب والبادية تعاني من نقص كبير في الكوادر الطبية.

الحلول الممكنة والتوجهات المستقبلية

أدركت الحكومة مؤخرًا حجم الأزمة، وبدأت باتخاذ بعض الخطوات لتقنين عدد المقبولين في كليات الطب، وهو ما يمثل خطوة أولى نحو حل الأزمة. لكن هذا الإجراء وحده ليس كافيًا. يجب أن تكون هناك مراجعة شاملة للسياسات التعليمية، وضمان التزام الجامعات بأعلى معايير الجودة في التعليم الطبي. كما يجب العمل على تحسين توزيع الأطباء على مستوى المملكة، وتحفيز الأطباء على العمل في المناطق النائية التي تعاني من نقص حاد في الخدمات الطبية.

إن تحسين التعليم الطبي وتخطيط سوق العمل الصحي في الأردن يتطلبان رؤية متكاملة وإصلاحات شاملة، فلا يمكننا أن نكتفي بزيادة أعداد الأطباء دون توفير الفرص المناسبة لهم، سواء داخل البلاد أو خارجها. كما يجب أن تكون جودة التعليم الطبي على رأس الأولويات لضمان أن يظل الأطباء الأردنيون في طليعة الكفاءات الطبية على مستوى العالم.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير