اللعب في الوقت الضائع

م. مهند عباس حدادين

بعد أن افشلت إسرائيل الخطة الأميركية وجميع الوساطات من أجل وقف حرب غزة وتبادل الأسرى لسبب واضح وهو إنهاء الحياة السياسية لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ومحاسبته في الداخل وربما في الخارج بموجب قضايا محكمة الجنايات الدولية بعد تلك الوساطات، فعدم تحقيق إسرائيل لأي نتائج استراتيجية في حرب غزة واحتفاظ حماس بأكثر من 50% من قوتها، وعدم تأثر قيادتها باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بل أتت بمن هو أصلب عسكريا ودبلوماسيا، إضافة الى الخلافات بين القادة العسكريين وحكومة نتنياهو والضغط من الأحزاب ?لمعارضة ومن أهالي الأسرى، دفع بحكومة نتنياهو إلى التفكير ببديل لإنقاذ نفسها من تلك الورطة، وخصوصا أنه لا يوجد قرار استراتيجي أميركي هذه الأيام لحل مشكلة الشرق الأوسط، للخوف من التأثير على مرشحة الحزب الديمقراطي القادمة كاميلا هاريس، فالإبقاء على الوضع كما هو والخضوع لما تقوم به إسرائيل على الأرض هو الواقع الحالي الأميركي حتى الانتخابات الأميركية القادمة.

لقد كانت لدى إسرائيل على مدار العقود السابقة استراتيجية عسكرية قوية في الحرب والسلم، من احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948 وبعدها احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 وبعدها خضوعها لاتفاقية السلام مع دول الجوار، لكن صورة إسرائيل اهتزت وضعفت في الداخل الإسرائيلي والخارج بعد السابع من أكتوبر، لتخبط القرارات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وتجاوزها على الجميع بما لا يخدم المصلحة الإسرائيلية العليا، فبدلا من البناء على عملية السلام والدخول في الأفق السياسي الذي سيفضي الى الانسحاب من الضفة الغربية ?لى حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ومن القدس الشرقية لصالح دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، تخلت هذه الحكومة عن أي استراتيجية تخدم مستقبلها في المنطقة بهجومها البربري على غزة، وبعد هذا الفشل وعدم جدوى هذه الحرب وعدم رغبتها بفتح الأفق السياسي، قررت هذه الحكومة نقل أنظار العالم والمنطقة إلى مكان آخر أكثر تعقيدا والذي قد يدخل إسرائيل وحلفاءها الغربيين في تعقيدات جديدة.

إن إسرائيل ما زالت تتغطى بغطاء الغرب فأي عمل تقوم به ولو كان على مستوى بسيط تتحرك أساطيل الغرب لدعمها، فما قامت به إسرائيل خلال الأسبوع الماضي من استخدام التكنولوجيا بابشع صورها من خلال تفجيرات أجهزة الاتصال البيجر الفردية في جنوب لبنان والذي اصاب آلاف اللبنانيين لم تفلح به خلال عام كامل في غزة لأن رجال المقاومة في غزة لعبوا على الجانب التكنولوجي وتجنبوا جميع أشكال التكنولوجيا من اتصالات البيجر والخلويات والأجهزة اللاسلكية باختلاف أنواعها في حياتهم اليومية والعملياتية العسكرية في مواجهة العدوان الإسرائيلي،?مما صعب مهمة إسرائيل في الوصول إليهم واستهدافهم.

إن اللجوء إلى استهداف القادة لن يقدم او يؤخر في تحقيق أي نتائج عسكرية لأن هناك العشرات من القادة جاهزين لأداء الأدوار، فالوقت الذي تم إستغلاله الآن في ظل تهدئة إقليمية سابقة تدخل فيها الغرب تراهن عليها إسرائيل بقيامها بتوجيه ضربات موجعة لحزب الله عن طريق الغارات الجوية واستخدام التكنولوجيا، لكن في المحصلة لن تحقق أي أهداف استراتيجية من ذلك وستحرج حلفاءها، وخصوصا أن الداعم الأكبر للمقاومة اللبنانية لم تتضح أهدافه وموقفه الداعم لغزة بعد عملية الاغتيال السابقة لإسماعيل هنية، فخروج الرئيس الإيراني الجديد مسعود?بزشكيان قبل أسابيع قليلة وشرحه للخطة الاقتصادية الإيرانية القادمة خلال السنوات المقبلة بأن إيران بحاجة لاستثمارات بين 200 -250 مليار دولار لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8%، فطهران تستطيع حشد 100 مليار دولار استثمارات داخلية، وبحاجة إلى 100 مليار أخرى استثمارات أجنبية، وقوله أيضا ان حل الخلافات مع الدول المجاورة والعالم بأسره هو السبيل لحل المشاكل الاقتصادية، وهذا يدل ان هناك تفاهمات ربما تم الاتفاق عليها أو سيتم قريبا مع الغرب،فالوضع الراهن في جنوب لبنان سيبقى كما هو بغارات جوية إسرائيلية واغتيالات محدودة وقصف ?تبادل مع حزب الله وبدون أي اجتياح بري إسرائيلي او ما تسمى بالحرب الشاملة إلى حين استلام الرئيس الأميركي القادم لتتم الصفقات الإقليمية، ولن تتحمل إسرائيل أيضا نتيجة اجتياحها للجنوب اللبناني أي تكلفة مالية إضافية والتي تقدر بخسائر يومية تصل الى 300 مليون دولار، تضاف إلى ما تخسره في غزة 220 مليون دولار يوميا ليصبح المجموع 520 مليون دولار يوميا، في ظل عجز في الموازنة الإسرائيلية 8% لهذا العام، وتراكم الديون والتي تقدر بـ 315 مليار دولار، كل ذلك لا ينزع فتيل الحرب الإقليمية والتي قد تتسبب فيها إسرائيل.