لدى الأردنيين ،الآن ، فرصة لاكتشاف أنفسهم
حسين الرواشدة
من يتحدث للأردنيين ، ويُعبّر عن قضاياهم، ويُمثّل وجدانهم ، ويحظى بثقتهم ؟ الفاعلون في الأحزاب مثلا ؟ الوسائط السياسية والاجتماعية ،وخزّان البيروقراطية مثلا ؟ الإعلاميون والصحفيون والمؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي مثلا ؟ يكفي أن ندقق في حصاد الأشهر العشرة المنصرفة (منذ 7 أكتوبر العام الماضي ) لنكتشف الإجابة ؛ معظم الأسئلة التي تراود الأردنيين في هذه المرحلة الصعبة ما تزال معلقة بلا ردود مقنعة، معظم الخطابات التي نسمعها لا تحمل أي جديد ، الجماعة الوطنية وأدواتها المفترضة أصبحت خارج التغطية ، القضايا الأردنية المفترض أن تحظى بالنقاشات العامة غائبة ،أو شبه مغيبة.
تحتاج الدولة ، أي دولة ، إلى "قوة ناعمة" تحمل روايتها ، وتعزز روح الانتماء إليها ، وتعمق الوعي بين أبنائها ، نحن -للأسف - نفتقد هذه القوة التي مثلت في حقبة طويلة من تاريخنا نموذجا لعافية الدولة والمجتمع معا ، آنذاك كان لدينا مشروع وطني يستند إليه الأردنيون ، ويغذونه من ثقافتهم وفنونهم والتصاقهم بأرضهم وهويتهم، كان لدينا رجال دولة حريصون عليها ، لا يختفون عند الأزمات ، ولا يترددون عن أداء النصيحة، ولا يُخضعون حضورهم أو غيابهم لمنطق خاسر / رابح ،كان لدينا إعلام يمثل الضمير العام ، ومثقفون يتحدثون من داخل الأردن ولأجله، وأحزاب ممنوعة ، لكن بياناتها تصل ،وتؤثر أيضا.
لا أريد أن أسأل : ماذا حدث للأردنيين؟ الإجابات توجعني ، وأنا لا أريد أن أُقلّب المواجع ، أقول فقط : لكل شعب هوية يتوحد على أساسها ، ودائرة وطنية كبرى يتميز بها عن غيره، لكن بعض الأردنيين ما زالوا يشعرون -للأسف - أنهم بلا هوية واضحة، ولا قضية جامعة، وبلا هدف وبلا رموز يلتفون حولهم ، وباستثناء ما يعبرون عنه من وحدة وجدانية في الأزمات ، فإن انتماءاتهم تتوزع على خرائط مختلفة ، وأحيانا متناقضة ، كما أن مزاجهم العام يخضع لاعتبارات تتجاوز في الغالب حدودهم الوطنية ، وتصبّ أحيانا خارجه.
لدى الأردنيين ،الآن ، فرصة لاكتشاف أنفسهم ، وتمتين الانتماء لدولتهم ، وتعريف مصالحهم ، والاعتزاز بهويتهم وتاريخهم ، لا مجال للحرد او الانسحاب او الاعتذار عن القيام بالواجب الوطني ، التربة الأردنية أخصب مما يتصور البعض، والأردنيات ولّادات، نحتاج -فقط - أن نتحرر من الحسابات الضيقة والانتهازية، من اليأس والخوف والغرق بالسواد العام ، عندئذ نستطيع أن نصنع قوى ناعمة من داخل المجتمع ، تهتف باسم الأردن ، وتعمل وتضحي من أجل الأردن ، وتنتظم في عداد الدولة وخلف القيادة ، قد تختلف حول أداء الحكومات والسياسات ، لكنها تتوحد لحماية المؤسسات ، وتعظيم الإنجازات.
لن يتحدث أحد باسم الأردنيين ،أو بالنيابة عنهم، إذا لم يتحدثوا بأنفسهم عن بلدهم وقضاياهم ، ولن يتمكنوا من استعادة حضورهم ما لم يملؤوا الفراغ الذي تركوه لغيرهم ، ويحطموا الأساطير التي جعلتهم غرباء في وطنهم، هذا الأردن يستحق أن يكون الأفضل؛ في كل ذرة من ترابه عبق تاريخ وإنجاز ، دماء شهداء وتضحيات، قصص صمود وكرامة وكبرياء ، لابد أن يفتح الأردنيون أعينهم ليروا كل ذلك ، ويطردوا من أمامهم "الكوابيس" التي اتعبتهم، أو دفعتهم للبحث عن رموز أخرى تشدهم ، أو قضايا تشغلهم، أو خطابات مغشوشه تلهمهم، فيما الحقيقة أن بلدهم أحق بذلك ، وفيه ما يستحق ذلك أيضا.