صفقة العطارات: تعارض دستوري وخطيئة ماليه بحاجه للمساءلة؟

 

  د. حمزه العكاليك

ساقت الحكومة الأردنية بالتوافق مع شركة الكهرباء الوطنية المملوكة من قبلها الغبن الفاحش كأساس قانوني لدعوى التحكيم مع شركة العطارات؛ الا انه وعلى الرغم من انه من غير المقبول ان تدي حكومة ما تعرضها للغبن الفاحش عند توقيعها أي اتفاقيه وذلك لأنه يتوفر لها كل المصادر اللازمة لدفع هذا الغبن قبل التوقيع على أي اتفاقيه كما انها جهة سيادية ولا يوجد ما يجبرها على الوقوع بمثل هذا الخطأ القانوني. 

الا ان هذا الأساس القانوني الذي قدمته الحكومة وشركة الكهرباء الوطنية  للدعوى يقود الى اعتراف ضمني من قبل الحكومة الى ان الأسعار التي اتفقت عليها مع شركة العطارات فيها غبن فاحش للمواطن وللاقتصاد الوطني وليس للدولة فقط؛ لأنه هو من سيتحمل فارق هذه الأسعار وهو من سترتع عليه كلفة التعرفة الكهربائية نتيجة قرار مسؤول يرقى الى مستوى جناية بحق الاقتصاد الوطني الذي يأن من عبء الاثقال التي تقع عليه نتيجة قرارات المسؤولين التي تمر دون محاسبه او مساءلة و دون عقاب.

وتعتبر الاتفاقية المبرمة بين شركة الكهرباء الوطنية الأردنية وائتلاف الشركات الدولية لشراء الكهرباء بأسعار مرتفعة قضية بالغة الأهمية، تتجاوز مجرد الخلاف على التكاليف. 

فهي تمثل اختباراً حقيقياً لالتزام الحكومة الأردنية بمبادئ الشفافية والمساءلة، وتثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية في الأردن، وتداعياتها على الاقتصاد الوطني والمواطن الأردني.

وبما ان الدستور الأردني يمثل  المرجع الأساسي في تقييم مدى قانونية هذه الاتفاقية. حيث نصت المادة 33 من الدستور على ضرورة موافقة مجلس الأمة على المعاهدات التي تترتب عليها أعباء مالية، تؤكد على أهمية الرقابة البرلمانية على القرارات الحكومية التي تؤثر على المالية العامة. 

وعلى  الرغم من ايراد حجة منافية للأساس القانوني وهي ان من وقع الاتفاقية هي شركة وليس الحكومة الا ان التوصيف القانوني الصحيح ان هذه الشركة مملوكة بالكامل للحكومة وهي التي تتحمل اعبائها كما ان هذه  الاتفاقية مكفوله من قبل الحكومة وكذلك فان الحكومة الأردنية بالاشتراك مع شركة الكهرباء الوطنية قد ذهبا معا الى قضية التحكيم.

هذا التوصيف القانوني يقودنا الى ان الموازنة العامة هي من ستتحمل تكاليف هذا العبء الإضافي وان المواطن هو من سيدفع هذه الفروقات مما يقود الى سؤالين هامين الأول لماذا يجب ان تخضع هذه الاتفاقية لموافقة مجلس النواب وبسط الرقابة البرلمانية عليها بموجب المادة 33 من الدستور والتساؤل الثاني وبما ان الحكومة اعترفت ان هذه الاتفاقية فيها اضرار بالصالح العام والمالية العامة وتحميل أعباء اضافيه على المواطنين باعتبار الغبن الفاحش أساس لهذه الدعوة؛ فهل سيتم محاسبة هؤلاء المسؤولين الذين تسببوا بالغبن الفاحش للدولة الأردنية؟

إن عدم حصول الاتفاقية على موافقة مجلس الأمة يثير تساؤلات جوهرية حول مدى التزام الحكومة بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو مبدأ أساسي في أي نظام ديمقراطي. فالدستور يمنح كل سلطة من السلطات الثلاث صلاحيات محددة، ويجب ألا تتعدى أي سلطة على صلاحيات السلطة الأخرى.

والمسؤولون الحكوميون الذين أبرموا هذه الاتفاقية قد يتحملون مسؤولية قانونية جنائية أو مدنية، وذلك إذا ثبت أنهم تجاوزوا صلاحياتهم  ولما تسببوا به من ضرر مالي للدولة.

 وقد تشمل هذه المسؤوليات المساءلة السياسية، والإحالة إلى القضاء وهو ما يتوجب على هيئة مكافحة الفساد النظر فيه لتحديد ما اذا كان هناك فساد مالي واداري من قبل مسؤولي الشركة الذين وقعوا على الاتفاقية وكذلك ملاحقة الوزراء الذين وافقوا على هذه الاتفاقية من خلال اللجوء الى قانون محاكمة الوزراء.   

كما نظم القانون الأردني إجراءات إبرام العقود ، وحدد الشروط الواجب توافرها لصحية هذه العقود. من أهم هذه الشروط: المشروعية، والمصلحة العامة، والمساواة بين المتنافسين، والشفافية وبما ان الحكومة بذات نفسها اقرت انه وقع عليها غبن فاحش بتوقيع والالتزام بهذه الاتفاقية فهذا يتنافى مع انها تحقق مصلحة عامه او ان هناك شفافية ومشروعية بين اطراف العقد لأنه لو كان هناك شفافية لما تم القبول بهذه السعر ولهذه المدة الطويلة وكذلك فان هذه الاتفاقية لم تحصل على الموافقة الدستورية من قبل الجهة التي خولها الدستور بالموافقة عليها من عدمه.

وسيؤدي ارتفاع أسعار الكهرباء نتيجة لهذه الاتفاقية إلى زيادة تكاليف الإنتاج لدى شركات التوزيع ، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام، وتقليص القدرة الشرائية للمواطنين، وتفاقم مشكلة التضخم. كما ورتبت هذه الاتفاقية أعباء مالية كبيرة على الموازنة العامة للدولة، مما قد يؤدي إلى تقليص الإنفاق على الخدمات العامة الأساسية مثل الصحة والتعليم، وزيادة الضغوط على المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود.

كما ان التخبط الحكومي سيرسل إشارات سلبية للمستثمرين الأجانب حول مدى استقرار البيئة الاستثمارية في الأردن، مما قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية، وتأثير سلبي على النمو الاقتصادي.

وعليه فمن الضروري ان يتم فتح تحقيق برلماني وقضائي لتحديد المسؤوليات عن إبرام هذه الاتفاقية دون الحصول على الموافقة اللازمة، ليتم توجيه او نفي اتهامات الفساد أو الإضرار بالمال العام إلى المسؤولين المتورطين.

إن الاتفاقية المبرمة بين شركة الكهرباء الوطنية الأردنية وائتلاف الشركات الدولية تثير العديد من التساؤلات حول مدى التزام الحكومة بالقانون والدستور، وتؤكد على الحاجة إلى تعزيز آليات الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، وضمان الشفافية والمساءلة في التعامل مع الأموال العامة.

 كما يجب على الحكومة أن تكون أكثر شفافية في التعامل مع مثل هذه الاتفاقيات، وأن تقوم بنشر جميع المعلومات المتعلقة بها، وأن تخضع للمساءلة البرلمانية والقضائية. 

ويجب  على الحكومة أن تضع مصلحة الوطن والمواطنين في المقام الأول عند إبرام أي اتفاقيات دولية، وأن تتأكد من أن هذه الاتفاقيات تخدم المصالح الوطنية على المدى الطويل. ويجب على البرلمان أن يقوم بدوره الرقابي على الحكومة بشكل كامل، وأن يضمن أن جميع الاتفاقيات التي تبرمها الحكومة تخدم المصالح الوطنية، وأن تخضع للموافقة البرلمانية قبل تنفيذها.