لماذا انعقد مجلس الأمن القومي؟
حسين الرواشدة
ما الذي استدعي اجتماع مجلس الأمن القومي ،لأول مرة ، بعد اكثر من عامين ونصف على صدور المرسوم الدستوري بإنشائه (المادة 122 )؟
ثلاثة إعتبارات تقع في صميم المهام التي تشكل على أساسها المجلس، وهي الأمن والدفاع والسياسة الخارجية ؛ أقصد أن ثمة مستجدات طارئة في السياقات الثلاثة فرضتها الظروف التي يمر بها بلدنا في هذه المرحلة الخطيرة ، تتعلق بأمننا الوطني و خياراتنا الدفاعيه والسياسية ، استدعت التئام المجلس ، ليس ، فقط، للتداول والنقاش ، وإنما لاتخاذ ما يلزم من قرارات عاجلة ، تكون واجبة التنفيذ حال مصادقة الملك عليها.
حين ندقق اكثر في هذه المستجدات، نجد عنوانين اثنين ، الأول : الدولة الأردنية تستشعر حالة الخطر جراء التصعيد الذي شهدته الحرب على غزة بعد حادثة اغتيال (هنية) في طهران ، ثم احتمالات امتدادها إقليميا، وموقع بلدنا منها ، تؤكد ذلك حركة الدبلوماسية الأردنية المكثفة ومواقفها برفض أن نكون ساحة لهذه الحرب ، حيث تم إبلاغ كافة الأطراف ، واشنطن وتل أبيب وطهران وغيرها، أن الأردن لن يسمح لأحد باستخدام أجوائه أو أراضيه في أي عمليات عسكرية ، ووفق معلومات مؤكدة فإن أطرافا حاولت أن تمارس ضغوطات على الأردن إلا أنه رفضها بالمطلق.
العنوان الثاني : الدولة الأردنية تدرك ،تماما، أن المرحلة القادمة مزدحمة بالأحداث والأخطار و الاستحقاقات ، وأن بلدنا يقع في بؤرة المسار التصعيدي للحرب ، و أنه لابد من الاستعداد والجاهزية للتعامل معها في سياق الحفاظ على أمن الأردن واستقراره ومصالحه العليا ، ووفق معلومات ،أيضا ، فإن أطرافا في المنطقة تحاول العبث بأمننا الداخلي ، وقد تم رصد العديد من هذه المحاولات وكشفها، لكن المؤكد انه خزان التهديدات لم ينفد بعد ، ما رشحت عنه المؤشرات في الخطاب السياسي والإعلامي لهذه الأطراف وغيرها ،ناهيك عن تفاعلاته بالداخل الأردني ، تؤكد أن بلدنا أصبح قيد الاستهداف المبرمج ، وأن خياراتنا في المرحلة القادمة يجب أن تتكيف مع هذا الاستهداف ، وعليه ربما نشهد استدارات وقرارات غير متوقعة لمواجهة ذلك والرد عليه.
صحيح ، الدولة الأردنية حسمت خياراتها منذ 7 أكتوبر العام الماضي اتجاه الحرب وتطوراتها، وحدود العلاقة مع اطرافها، كما أنها قدرت الأثمان السياسية المطلوب دفعها الآن ولاحقا ، لكن يبدو أن المعادلات تغيرت خلال الأسابيع المصرفة، انعقاد مجلس الأمن القومي في هذا التوقيت يؤكد ذلك ، والرسالة واضحة، وقد تم إبلاغها للجميع: نحن لسنا طرفا في هذه الحرب ، ولا نقبل أن نكون مسرحا لها ، كما أن لدينا القدرة على مواجهة أي ضغوطات نتعرض لها، والرد على أي تهديد يتعرض له بلدنا.
المهم أن يدرك الأردنيون ،تماما ، أن الدولة /دولتهم قوية وصامدة، وأن خياراتها ستكون في صميم المصالح الوطنية العليا ، وأنها تستمد القوة والصمود من وعيهم وحرصهم على وحدة جبهتهم الداخلية ، واصرارهم على تفويت أي فرصة للعبث بنواميسهم الوطنية، ومن واجب الجماعة الوطنية أن تتحرك ، الآن، لإدارة النقاشات العامة، والإجابة على سؤال : كيف نحمي وجودنا وحدودنا ومصالحنا العليا؟ هذا النقاش (بالتزامن مع قرارات أخرى ) أصبح ضرورة وطنية ، وذلك في موازاة التئام مجلس الأمن القومي كأعلى سلطة مناط بها اتخاذ القرارات في بلدنا،