تقاسم الضفة الغربية بين رموزها
ماهر أبو طير
تكتب ناعومي نيومان تحليلا سياسيا خطيرا حول مستقبل الضفة الغربية، إلى درجة نشرها لسيناريو محتمل يقول إنه في توقيت ما قد يتم تقسيم الضفة الغربية بين ورثة الرئيس الحالي بما من شأنه أن يخلق كانتونات، مما يجبر إسرائيل على التعامل مع كيانات متعددة.
نيومان التي نشرت ورقتها عبر معهد واشنطن تعد زميلة زائرة في المعهد، حيث تركز على الشؤون الفلسطينية. وعملت سابقاً كرئيسة لوحدة الأبحاث في وكالة الأمن الإسرائيلية، أو الشاباك، وفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، بما يعني أنها تستند إلى إرث أمني في التحليل.
التحليل الذي جاء تحت عنوان "ماذا لو تقارب اليوم التالي في غزة مع اليوم التالي لعباس؟" يناقش سيناريوهات الوضع في الضفة الغربية، إذا تزامنت كل الظروف معا، في غزة والضفة الغربية من حيث النهايات، مشيرة إلى أنه إذا انهارت قيادة السلطة الفلسطينية تحت وطأة الضغوط الإسرائيلية وتدهوَرَ الوضع في الضفة الغربية، فقد تكون النتيجة إعادة ضبط الأوضاع على نحو مزعزع للاستقرار في الساحة الفلسطينية وقيام فراغ ما بعد الحرب في غزة.
تقول في تحليلها إن جهاز الأمن التابع للسلطة الفلسطينية، الذي كان ذات يوم القوة الأقوى والأكثر تنظيماً في الضفة الغربية، يتفكك ويواجه صعوبة في الحفاظ على موطئ قدم له في المنطقة، وأن استمرار الحرب، فقد يؤدي إلى خسارة الرئيس الحالي الكثير حالياً، فأجندة الساحة الفلسطينية، التي كان مسؤولاً عنها إلى حد كبير، تنهار أمام عينيه، بينما تتشكل أجندة جديدة لا تزال غير واضحة، وسابقاً، كانت السلطة الفلسطينية مركز القوة في هذه الساحة، وليس غيرها، لكن أصبح يُنظر إليها حالياً على أنها جهة ضعيفة تواجه الانهيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني، واذا انتهت الحرب في المستقبل القريب، فمن شأن هذه التحوّلات أن تقوض سلطة عباس والسلطة الفلسطينية، وسيصبح هذا السيناريو أكثر حتمية إذا تمكنت حماس من البقاء في غزة، وإذا رفضت إسرائيل التحدث مع السلطة الفلسطينية حول الأفق السياسي ومنعتها من تولي الشؤون المدنية في غزة، وفي "سيناريو بديل" تقول كاتبته أنه إذا لم تنتهِ الحرب قريباً، فسوف يستمر وضع السلطة الفلسطينية بالتدهور ما لم تتغير سياسة إسرائيل في الضفة الغربية أو يتبنى المسؤولون الفلسطينيون إصلاحات كبيرة، وسيستمر هذا التدهور إلى أن تنهار السلطة الفلسطينية، اقتصادياً في البداية ثم اجتماعياً وأمنياً.
الأخطر في التحليل يتحدث عن وراثة الرئيس من خلال ما أشرت إليه سابقا، أي تقسيم الضفة الغربية بين ورثة عباس بما من شأنه أن يخلق كانتونات، مما يجبر إسرائيل على التعامل مع كيانات متعددة، وتقسيم مواقع الرئيس الحالية والمتعددة بين ورثة الرئيس، باعتباره يسيطر على 3 مواقع وهي رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس فتح، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وتقسيم سلطة رام الله وظيفياً إلى مستويين المستوى السياسي الأعلى، الذي سيشمل الرئاسة ولكن بصلاحيات محدودة، والمستوى الأدنى، الأكثر عملية، والذي سيشمل رئيس الوزراء ومجلس الوزراء وسيمارس معظم السلطات الأمنية والاقتصادية.
تخرج ناعومي نيومان بعدة استخلاصات، من أبرزها حاجة إسرائيل لكيان موحد تتعامل معه في الضفة الغربية، وتعزيز هذا الكيان من خلال تدابير مختلفة، ودفعها لتنفيذ إصلاحات.
ما يمكن قوله هنا، إن إسرائيل تدرك تماما أن الحرب في غزة، لكن الحرب الأكبر تكمن في الضفة الغربية، وعلى الأرجح أن كل سيناريو التقاسم الذي تطرحه نيومان او تتمناه ربما، أي تقاسم مدن الضفة الغربية والصلاحيات والمواقع بين رموز السلطة، سيؤدي إلى حرب أهلية، بحيث يتحول قادة المدن هنا، وحكامها، إلى أمراء حرب يحكمون جزرا معزولة، في سيناريو رأينا مثله في دول عربية وإسلامية، تم تقاسمها جغرافيا على يد القوى الداخلية.
كل المؤشرات تقول إن إسرائيل تريد إنهاء سلطة رام الله في توقيت محدد بعد انتهاء دورها الوظيفي، ووفقا للتداعيات في غزة، لصالح السطو على الضفة الغربية، وإنهاء مشروع الدولة الفلسطينية، وتفكيك كل المؤسسات، وعزل المدن وقراها في فراغ يتوسل شربة الماء، ورغيف الخبز، تمهيدا لما هو أخطر، دون أن ننسى أن هذا المخطط يرتبط بنتائج حرب غزة.