هذه ليست هدنة.. هذا تجريع للسم

ماهر أبو طير

 

المعلومات التي تتسرب من الشروط الإسرائيلية لوقف النار مؤقتا في غزة، معلومات تثبت أن إسرائيل لا تريد وقف الحرب بشكل إستراتيجي، وتخطط لسيناريوهات في غاية السوء.

 

 

وفقا لأخر المعلومات حول الهدنة المؤقتة فإن إسرائيل لا تريد الانسحاب عسكريا من القطاع، وربما تقبل إعادة التموضع فيه وحوله، ولا تريد إطلاق سراح أكثر من 10 أشخاص مقابل كل أسير إسرائيلي مع الإشارة هنا إلى أن عدد الأسرى الإسرائيليين الكلي يصل إلى حدود 135 شخصا فقط، وبالمقابل فإن عدد الأسرى الفلسطينين تضاعف منذ بداية الحرب من 7 آلاف تقريبا إلى 14 ألف تقريبا، ولا تريد إسرائيل أيضا فتح البوابات للمساعدات الإنسانية بشكل كامل بل بعدد محدد من الشاحنات لا يتجاوز 500 شاحنة، ولا تريد أن تبقى فصائل المقاومة في قطاع غزة، ولا تريد أن تحدث مبادرة لإعادة الإعمار لقطاع يحتاج إلى عشرات المليارات، ولا تريد أن تعود سلطة أوسلو بشكلها الحالي إلى القطاع بل تفرض شروطها أيضا على السلطة. 

 

ولا تريد إسرائيل أيضا أن يعود أهل شمال قطاع غزة المتواجدين الآن في رفح، إلى الشمال إلا ضمن عدد معين مخصص للنساء وكبار السن والأطفال، مع استمرار بقاء الشباب في رفح ومنع عودتهم بما يعني شطر العائلات، والاستفراد بخزان الشباب في رفح لاحقا، وتخفيف الاتهامات الدولية في حال الهجوم على الجنوب، عبر إعادة الأطفال والنساء وكبار السن للشمال، وفصلهم عن المذبحة المؤجلة في الجنوب، وهذا يعني أن السماح بالعودة للشمال بهذه الصيغة يرتبط بهدف إجرامي إستراتيجي مجدول سيتم تنفيذه لاحقا في جنوب القطاع.

هذه ليست هدنة مؤقتة- إذا قبلها الفلسطينيون- هذه حالة انتحار حقيقية، والأدهى والأمر هنا أن فصائل المقاومة أمام توقيت حرج، فهي إذا قبلت الهدنة من أجل أن توقف المذبحة، وتمنع الذهاب إلى سيناريو رفح وما قد يقع في المسجد الأقصى والقدس، تكون قد عادت بنتائج غير مناسبة أمام اهل القطاع، سوى وقف المذبحة، لكن دراسة الجدوى الوطنية هنا محرجة من ناحية خسارة 100 ألف فلسطيني ما بين شهيد وجريح، وتدمير القطاع، مقابل شروط مثل هذه الشروط، وهي إذا رفضت الصفقة أيضا إدراكا منها بحجم التعسف فيها ولمعرفتها حسابات الكلف الإستراتيجية، تكون في وضع حساس سوف تستغله إسرائيل لمواصلة القتل والتدمير بحق شعب تعرض إلى مذابح دموية، وتحت عنوان يقول إن المقاومة عطلت الهدنة.

رأس حكومة الاحتلال أيضا يواجه تعقيدات، لأن عقد هدنة مؤقتة بشروط أفضل سيجعله يدفع الثمن غاليا في مجتمع الاحتلال، وهو غير قادر أصلا على تحسين شروط الهدنة المؤقتة، ولا يريدها برغم كل الخسائر التي أوقعتها المقاومة في جيش إسرائيل المبهوت منذ 7 أكتوبر، والخسائر التي تنزلت على اقتصاد الاحتلال، وحدوده الشمالية، وغير ذلك، وهو أيضا امام مخاطر سيناريو رفح والنقد الدولي الشديد له، ومخاوفه اصلا من انفجار الأوضاع في القدس، يريد هدنة مؤقتة، لكن اللعب على الشروط هو العنصر الحاسم هذه الأيام، ولا بد أن يشار مجددا إلى أن خسائر الاحتلال البشرية والمادية أعلى بكثير مما يتم الاعتراف به، لكنها الرقابة التي تخفي كل شيء، وبالمحصلة، فإن إسرائيل تواجه مأزقا أخطر مما نراه في القطاع.

في الاستخلاص فإن أطرافا كثيرة تعرف أن الهدنة المؤقتة بمثل هذه الشروط، هدنة لا جدوى منها سوى وقف الدم، لفترة مؤقتة، وهذه الجدوى مشكوك فيها إستراتيجيا، 

لأن لا أحد يضمن عدم اشتعال الحرب مجددا إذا توقفت لفترة محددة، ولا أحد يضمن تمديد الهدنة أيضا لتصبح دائمة، ونحن أمام مشهد معقد للغاية في حساباته الإستراتيجية.

بهذه الشروط نحن أمام هدنة مسمومة، وهي شروط لا يجوز قبولها أصلا، حتى لو قال البعض إن وقف الدم هو الأهم من كل التفاصيل الدقيقة التي تخوضون فيها من قريب وبعيد!.