القدح في برنامج المطاعيم الوطني
د. محمد المومني
عجيب غريب ما يحدث من جدل حول برنامج المطاعيم الوطني، والتشكيك في التوجه الأخير لإعطاء مطاعيم لأبنائنا الطلبة، الذي يقاومه البعض وينشرون معلومات مضللة وكاذبة ومنقوصة حول درجة المأمونية لهذه المطاعيم. هكذا وبكل خفة يخرج علينا من نصّب نفسه خبيرا ومطلعا، ليقول إن المطاعيم غير آمنة ويحدث حالة من القلق الوطني وبين أهالي الطلبة. يأخذ البعض كلامه ويصدقه، مجافيا بذلك العقل والحكمة، ولا يسأل أحد عن مصداقية من شكك بالمطاعيم، وما هي دوافعه؟.
ما أعلمه ويعلمه غالبية الأردنيين، أن برنامج المطاعيم الأردني قصة نجاح متميزة، جنبت المجتمع وأبناءنا الأمراض، فتلاشت واضمحلت، وباتت نسب التطعيم ووصولها للناس، ونسب السيطرة على الأمراض التي تكافحها المطاعيم تضاهي النسب الموجودة بالدول المتقدمة، تراجعت نسبيا بسبب اللجوء السوري حيث كثير من اللاجئين لم يتحصلوا على مطاعيم كتلك التي يأخذها أطفالنا.
المطاعيم جنبتنا شرور الأمراض، ولا يعقل أن يصدق أي عاقل أن مؤسساتنا سوف تعطي مطاعيم غير آمنة لأبنائنا لمجرد أنها أتت من الهند وهي الصاعدة لتكون ثالث أكبر اقتصاد بالعالم. ثمة أسس ومعطيات علمية، وشهادات وموافقات من منظمة الصحة العالمية تستند لها الدول عندما تبيع أو تشتري المطاعيم، ولا يمكن ضرب كل ذلك بعرض الحائط لمجرد تسجيل أو معلومات مضللة تقول بعكس ذلك.
ثم يأتي من يسأل هل من حق الأهالي رفض تطعيم أبنائهم؟ الجواب قطعا لا إذا كانت تلك المطاعيم إلزامية ومقررة من قبل الجهات المعنية، أما إذا كانت استزادة فتكون بموافقة الأهالي. لا يجوز أن يتم تطبيق النظام العام بصورة اختيارية، وإلا عشنا حالة من الفوضى العارمة. الدولة تنفذ ما هو في صالح المجتمع من مطاعيم وأنظمة سير وتعليم إلزامي وغيرها، وتعاقب من لا يمتثل لذلك، لأن سلطة الدولة في هذا الأمر جزء من الصالح العام الذي أوجدناها كدولة لتحقيقه.
ما يحدث ظاهرة غريبة في أن يصدق الناس أي أكاذيب لمجرد أنها شككت بالحكومة وقراراتها، بالرغم من نفي الرسميين وغير الرسميين من الفنيين هذه الادعاءات. نعلم أن التشكيك ظاهرة منتشرة، لكن لم نعتقد أنها وصلت إلى هذا الإسفاف من التشكيك ببرنامج يعد بالفعل قصة نجاح وطنية. فجوة الثقة مع كل ما هو رسمي في مجتمعنا ظاهرة موجودة في كل الدول، وعندنا من أسبابها أمران اثنان: المسؤول الضعيف الذي لا يشرح ولا يدافع عن قراراته، وثانيا، كم الضخ الهائل بالسلبية والتشكيك الذي امتهنه البعض ليخلق حالة من اللايقين المجتمعي التي تهيئ لللااستقرار. حل ذلك يكون بمسؤولين أقوياء غير شعبويين يدافعون عن القرار الذي يجب أن يتخذ بحصافة، وثانيا، وقف الضخ السلبي اللامنتهي، حيث طورت المجتمعات مراكز مستقلة لتحري الحقيقة وإخبارها بحيادية للجمهور. نفتقد في الأردن لهذه المراكز ونحن بحاجة لها على أن تكون مستقلة تماما وأهلية تكتسب مصداقية عبر الوقت.