الرئيس ينام قرير العين
حسين الرواشدة
يريد الأردنيون من الحكومة أن تقدم لهم جردة حسابات إنجازاتها ، معهم حق ، فقد صبروا وتحملوا ، على امتداد السنوات الماضية ، وحان الوقت لكي يشعروا بالراحة والفرج ، أو بصيص من الأمل .
ما فعلته الحكومة ،يومي الجمعة والسبت ، بلقاء البحر الميت ( بحضور 650 مشاركا من كافة القطاعات الرسمية والخاصة والأجنبية ) ، كان يصب في هذا الاتجاه ، الرئيس الخصاونة قال ما لديه بصراحة ، لا أملك ، بالطبع ، تقييم ما ذكره من إنجازات واستعدادات بعد عام على انطلاق التحديث الاقتصادي والإداري ، لكنني سألت عددا من الخبراء الذين أثق بهم ، فاجأتني إجاباتهم حين أكدوا أن التحديث الذي بدأ، وسيمتد ل9 سنوات قادمة، أصبح ممرا إجباريا للحكومة ، أي حكومة، وأن استمرار مسيرة الدولة واستقرارها ، مُعلّق بتنفيذ كل ما سمعناه من الرئيس أمام الملك ،وأمام الشركاء أيضا.
أعرف ،تماما ، ردود الأفعال التي صدرت عن المجتمع حول ما جرى في اللقاء الحكومي، ولا يخطر ببالي أن انضم إلى جوقة التطبيل المعروفة ، الرئيس ومعه الحكومة لا يحتاجون إلى مصفقين ولا مثبطين، لكن من المفارقات أن اكثر الذين حضروا ، وهم خبراء من القطاع الخاص ، أشادوا بما سمعوه، واعتبروه إنجازا، فيما كان لهم تحفظ واحد ، وهو أن يروا ذلك قريبا على الأرض ، وأن تلتزم الحكومة بما وعدت به، الردود الحكومية التي سمعوها كانت إيجابية، بقي، فقط، أن يلمس المواطن نتائج هذا التوافق بين الرسمي والخاص ، اقتصاديا واداريا ، وبعدها أن يعترف به ،ولا يقابله بمزيد من الشكوى والسخط ، وأكاد أُراهن على انه سيفعل ذلك.
هنا مربط الفرس ، لا يمكن للحكومة ،أي حكومة، أن تُنجز ، ما لم تحظ بدعم المجتمع ومشاركته، وبالتالي الرسالة التي انطلقت من الرئيس ،تحديدا، كانت في هذا الاتجاه تماما، لابد للأردنيين أن يخرجوا من إطار اليأس من الحكومات ، وعدم الثقة بها ، وربما الإساءة لكل ما يصدر عنها، لكي يمنحوها- على الأقل - فرصة لكي تتحدث ، وإذا تحدثت أن يُخضعوا ما تقوله للاختبار، صحيح التجارب مع بعض الحكومات السابقة كانت مزدحمة بالخيبات والمرارات ، لكن، بتقديري، هذه المرة مختلفة ، الدولة بكافة إداراتها دخلت عملية التغيير و التحديث، وهو استحقاق ،لا رجعة عنه، وحتى لو حدثت بعض الأخطاء، فإن أعين الرقابة ،الداخلية والخارجية، كفيلة بتصحيح المسارات.
بعد عام على انطلاق التحديث الاداري والاقتصادي ، وضعت الحكومة الأساسيات اللازمة للبناء، ثم رفعت بعض المداميك ، هل تكفي لإقناع الأردنيين؟ ربما، لكن من الاصح أن نقول : إنها" البداية "، وتحتاج إلى جهد اكبر ، وتصميم وعمل دؤوب ، والأهم إلى أدوات تنفيذية كفؤة وشجاعة، ومناخات من الانفتاح والشفافية والمتابعة( هذه الأخيرة أصبحت متاحة للجميع )، كما تحتاج إلى إطلاق مسارات التحديث السريع في مجالات أخرى ، مثل التعليم والثقافة وانماط التدين، وغيرها ، أقصد تحرير المجتمع الأردني من التراكميه السلبية لكثير من الأفكار والقناعات والعادات ، لبناء إنسان أردني منتج وفاعل وايجابي، تكون الدولة حاضنته ، وفيها يصب انتماؤه ، وكل ما لديه من طاقات.
حين استمعت للرئيس ،الخصاونة، وهو يتحدث عن إنجازات عام من التحديث ، وعن الآمال والمعيقات التي تواجهه، ثم إصراره بقوة واعتزاز، على أن حكومته لم تتدخل بسياسات البنك المركزي ، وأنه لا يجوز لأي حكومة أن تتدخل في عمله، ثم أضاف "بعد اقرار التعديلات على قانون الملكية العقارية انام قرير العين"، لان ما فعلنا يصب بمصلحة الاستثمار والتحديث ، فهمته وصدقته ، ربما تذكرت كيف نواجه ، نحن الأردنيين ، أبناءنا حين نُقدم لهم انجازاتنا ، ونعتذر عن قلة حيلتنا أحيانا، ونصرّ امامهم أننا سنفعل لاجلهم كل ما نستطيع ، كما أن كل ما فعلناه كان من أجلهم .
لا ادري لِمَ خطرت ببالي هذه المقارنة ، ربما لأننا حين نقسو على المسؤولين ، يُفترض أن نتذكر كيف يقسو علينا أبناؤنا بطلباتهم وتوقعاتهم منا، فيما لا نملك ،أحيانا ، إلا ان نبتسم بوجوههم( ونبلع وجعنا) ونعدهم بأننا نُسخّر كل طاقتنا لخدمتهم ، على أن يعتمدوا (ولو قليلا ) على أنفسهم ، ثم نطلب منهم ،فقط، ان يُعذرونا عن أي خطأ ، او تقصير.