‏تريدون أصواتنا ، مقابل ماذا ؟

حسين الرّواشدة 
ماذا قدمت الأحزاب للأردنيين ،من مواقف ، لكي يصطفوا أمام الصناديق لانتخاب من ترشحهم للبرلمان؟  لكي يبدو السؤال أوضح ، تعرّض بلدنا ،على امتداد الشهور الماضية، لعدة أزمات، احتدام فيها النقاش العام ،و اختلطت الأوراق ،واختفت اصوات معظم النخب ، والأهم أن غالبية الأحزاب غابت عن المشهد العام ، واكتفى بعضها بإصدار بيانات خجولة ، فيما صمت أمناؤها العامون عن الكلام ، وكأنه لا علاقة لهم بما يحدث . 

‏أكيد ، هنالك بعض الاستثناءات ، بعضها جاء في إطار رفع العتب ، او في سياق شراء رصيد شعبي ، بعضها يستحق الاحترام ، وبعضها يثير الشفقة ، أكيد، أيضا ، أن معظم الأحزاب أفرزت مواقفها بناء على حسابات المصالح ، لكن مصالحها هي لا مصالح الناس ، كل ذلك جرى في معمعة البحث عن أحزاب تمثل المجتمع ، و تتبنى قضاياه ، وتدافع عنها،  وفي إطار معرفة أوزان هذه الأحزاب واتجاهاتها،  فماذا كانت النتيجة ..؟

‏ أترك جردة حسابات إنجازات المواقف للأحزاب نفسها ، ولمن يهمه الامر أيضا، أشير ،فقط ، إلى مسألتين ، الأولى أن معظم الأحزاب مازالت تتحدث مع نفسها ، ولم تفلح في بناء خطاب واضح ومفهوم يقنع الناس ،وينتزع ثقتهم،  كما أنها لم تتمكن من تشكيل "هوية " خاصة بها ، ولم تستطيع أن تفتح قنوات اتصال للاشتباك مع المجتمع ، هذا "التحوصل"حولها إلى جزر معزولة ،وإلى مجرد يافطات وشعارات ، ولقاءات متكررة لا تحمل أي جديد.

‏اما المسألة الأخرى ، فهي أن معظم الأحزاب تنظر بعين واحدة،  أقصد عين انتزاع الرضا من الرسمي ، فيما تغمض العين الأخرى المفترض أن ترى فيها المجتمع ، فهي تتعامل معه وكأنه جاهز تحت الطلب،  بعد أن ضمنت 41 مقعدا في البرلمان ، وهي تريده أن يأتي إليها ،لا أن تذهب إليه   و أن يحملها على الأكتاف ،بدل أن تحمل همومه وقضاياه ، تفعل ذلك لأنها لم تخرج من رحمة ، وتعجز عن تقديم أي إنجاز له ، و تريده مجرد "كومبارس " جاهز للتصفيق ، والتصويت إذا لزم الامر.

‏حين ندقق أكثر ، نكتشف أننا أمام كتلة من الأحزاب المنزوعة من السياسة،  افهم، بالطبع ، أن تعطّل حركة السياسة أفرز مثل هذه الأحزاب التي مازالت تدور في فلك العشيرة،  أو الأيديولوجيا،  أو البزنس،  افهم ،أيضا،  أننا مازلنا في بداية المشوار الحزبي ، بعد تجميد التجربة لأكثر من 40 عاما ، لكن ما يجب أن ندركه هو أن الإرادة ،متى حضرت ،خاصة في مثل مجتمعنا الأردني الذي يصحو مع السياسة،  وينام معها ، يمكن أن تنتصر على كل المعيقات ،هذا لم يحدث حتى الآن للأسف ،ليس ،فقط ، بسبب المناخات السياسية التي يصنعها الرسمي ، وإنما بسبب الاستجابات والقابليات التي تتطوع النخب الحزبية لالتقاطها،  وربما استغلالها أيضا. 

‏ قبل أن تواجه الأحزاب صدمة نتائج صناديق الانتخاب ، بعد نحو عام ، لابد أن تستدعي معادلة اشتباك المصالح والمواقف مع الأردنيين ، المصالح ،هنا ، ليست خطابات إنشائية ،او بيانات رفض او مباركة ، وإنما برامج مدروسة و مقنعة،  تفرز مواقف إجرائية ، وافعالا ومبادرات،  كما تستدعي تأطير الهويات الحزبية،  بحيث يصبح لكل حزب بصمته ، وبالتالي جمهوره ومؤيدوه.

 هذا يحتاج إلى تصحيح مسارين أساسيين،  هما السياسي والاجتماعي،  حيث نترك للعشيرة أن تقوم بواجبها الاجتماعي،  ونفتح الطريق أمام الأحزاب لمباشرة دورها السياسي ، وهنا لابد أن تتوفر مقررات ،تفرضها إرادة سياسية حازمة،  و أهمها رفع الوصاية عن العمل السياسي ، وتحرير الأحزاب ممن نزلوا على مواقعها العليا بالمظلة ، وممن يريدون تحويلها إلى "هايبر ماركت "، أو مجرد "مكيفات " سياسية لترطيب أجوائنا في هذا الصيف الساخن.