من جديد تثبت الدبلوماسية الإيرانية وجودها على الساحة الإقليمية والدولية
المحامي فيصل فريحات
مؤخراً تم تبادل الصفقات علناً بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والجميع يعرف الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ألتي كان قد أسسها وأقام أركانها الإمام الراحل الخميني عام 1979، كما أن الجميع يعرف المصطلح الذي أطلقه الإمام الراحل الخميني يومها على الولايات المتحدة الأمريكية وهو مصطلح الشيطان الأكبر، حيث كانت إيران قد
إستخدمت ورقة ( مزدوجي الجنسية ) والهجمات ضد القوات الأميركية في سوريا وإمداد روسيا بالمسيرات لتحقيق مصالحها، لكن تبقى الصفقة الأخيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية
الإيرانية تؤكد أن السياسة في أحد أوجهها تحقيق للمصالح، ومنذ أيام أعلن توصل إيران وأمريكا إلى صفقة يتم بموجبها إطلاق سراح مسجونين أميركيين في إيران مقابل الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة لدى بنوك كوريا الجنوبية بعد تحويلها إلى يورو وتسليمها إلى بنوك في دولة قطر، إذ يوجد بها حسابات مقيدة بالشروط الأميركية، أي صرف هذه الأموال لإيران في إطار إستخدامها لأغراض إنسانية، وعلى رغم أنها ليست المرة الأولى ألتي يتم فيها تبادل مسجونين في إيران من مزدوجي الجنسية في مقابل تقديم بعض
التنازلات لإيران، إلا أن أهمية هذه الصفقة الأخيرة أنها جاءت بعد محادثات سرية إستمرت لعام ونصف العام من أجل إحياء الأتفاق النووي، كما جاءت بعد إعلان إدارة بايدن أنها ليست مهتمة في الوقت الحالي بإتمام المفاوضات مع إيران لإحياء الإتفاق النووي، لكن كثيراً من التسريبات الإعلامية الغربية تحدثت عن محادثات غير مباشرة سرية تمت بين إيران وأمريكا خلال الفترة الماضية، وفي ظل النفي الأميركي لأي تفاهمات مع إيران أو الحديث عن إتفاق نووي موقت، ظهر للعلن تفاصيل صفقة الإفراج عن المسجونين الأميركيين في إيران ، إذ وافقت الولايات المتحدة الأمريكية الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، وتأتي تلك الخطوة بعد سماح الولايات المتحدة
الأمريكية للعراق بالإفراج عن الأصول المجمدة والمستحقة لإيران في مقابل شراء العراق الغاز الإيراني، ومن ثم سيكون هناك ما يقرب من ( 10 ) مليارات دولار، التي تدعي واشنطن أنها ستستخدم للأغراض الإنسانية هي الأخرى، أي مزيد من الإفراجات المالية لإيران. هذا ولم تتضمن صفقة تبادل المسجونين أي تفاصيل أخرى، لكن يتوقع أنها جزء من تفاهمات أميركية إيرانية تشمل الملف النووي الإيراني والمسيرات الإيرانية، فبعض المعلومات المسربة تشير إلى إحتمال وجود تفاهمات من شأنها أن تشمل التزاماً إيرانياً بعدم تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من ( 60 ) في المئة، وربما الأمتناع عن تكديس أية كميات أخرى من اليورانيوم المخصب إلى هذا المستوى، وإن كان ذلك
من دون التخلي عما أكتسبته إلى الآن، ومن جهة أخرى أشارت التقارير إلى طلب واشنطن من إيران الأمتناع عن إمداد روسيا بالمسيرات الإيرانية ألتي تستخدمها في الحرب الأوكرانية، هذا ما دفع واشنطن إلى تلك الصيغة من التفاهمات غير المكتوبة وغير المعلنة سواء في ما يخص مسألة تخصيب اليورانيوم أو المسيرات الإيرانية، عوامل عدة ترتبط بعضها بالصيغة النهائية لما توصل إليه بين إيران والغرب في محادثات فيينا
والشروط الإيرانية لإنجاحها، ومن ثم تدرك إدارة بايدن صعوبة التوصل إلى إتفاق نووي جديد الآن مع إيران، أما العامل الآخر فهو يرتبط باللعبة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، ومعارضة الجمهوريين لصفقة
الإفراج عن أرصدة إيران المجمدة في مقابل الإفراج
عن المسجونين الأميركيين، بحجة أن الصفقة نوع من الإستجابة للأبتزاز الإيراني وتشجيع إستخدام ورقة مزدوجي الجنسية للحصول على ما تريده، وتأكيدهم أن إيران ستستخدم الأموال في أنشطة مزعزعة للأستقرار، لذا فالجمهوريون لطالما عارضو عودة الولايات المتحدة للأتفاق النووي، أو عقد إتفاق جديد معها، ومن ثم تحاشياً لخطوة عرض أي إتفاق جديد على الكونغرس الأميركي، توصلت الإدارة الأمريكية إلى صيغة التفاهمات غير المكتوبة والموقتة. وفي الوقت ذاته ترغب الولايات المتحدة الأمريكية إحراز مكسب داخلي تسوقه للمواطنين الأميركيين قبيل الإنتخابات الرئاسية عام 2024، لذا كانت صفقة الإفراج عن المسجونين الأميركيين، لا سيما أنه من غير
المتوقع أن يحدث تقدم في المفاوضات النووية مع الغرب والولايات المتحدة للتوصل إلى إتفاق نووي جديد قبيل الإنتخابات، وأيضاً ترغب أمريكا وقف هجمات الميليشيات الإيرانية ضد القوات الأميركية في سوريا، إذ أشتدت تلك الهجمات ألتي تستهدف إخراج الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا، ومن ثم
فالصفقة بين أمريكا وإيران تضمنت وقف الهجمات على القوات الأميركية بسوريا، وفي النهاية نستنتج أن صفقة الإفراج عن المسجونين الأميركيين تؤكد ما هو حقيقة، وهو قدرة أمريكا وإيران على السير في مسارين متناقضين لكن متوازيين في ما يخص علاقتهما، حيث مسار التوترات والتصعيدات العسكرية، ومسار القدرة على التفاوض وتحقيق تفاهمات في شأن ملفات مصالح كل منهما، واستخدمت إيران ورقة ( مزدوجي الجنسية ) والهجمات ضد القوات الأميركية في سوريا وإمداد روسيا بالمسيرات، للتفاهم مع الولايات المتحدة في ما يخص المصالح الأميركية سواء على مستوى إنجاز يسوق للداخل الأميركي، أم الحرب الروسية – الأوكرانية وتأثيرها في الأمن
الأوروبي ورغبة واشنطن في إلحاق خسائر لروسيا، لكن الأمر المؤكد هنا أنه حينما يعلو مسار التفاهمات الموقتة وغير الملعنة بين أمريكا وإيران، فإنه يتجاهل إرساء أسس ثابتة ومستقرة للأستقرار والأمن الإقليمي، مرة أخرى أقولها كمراقب للشأن الإيراني أن
الدبلوماسية الإيرانية وخاصة بعد الإنجاز التاريخي للمصالحة بين إيران والسعودية، والزيارة الأولى منذ عشرة سنوات والهامة جداً لعميد الدبلوماسية الإيرانية الوزير حسين أمير عبداللهيان أول أمس للمملكة العربية السعودية والحفاوة الكبيرة ألتي أستقبل بها، واللقاءات المثمرة والمباحثات الجادة والشفافة حول الأمن
والتنمية في المنطقة مع المسؤولين السعوديين وإعادة تفعيل الأتفاقيات الموقعة سابقاً بين البلدين الشقيقين بعد أن كانوا الذ الأعداء، وتمهيداً للقاء الكبير بين قادة الدولتين، تؤكد لنا نجاح الدبلوماسية الإيرانية على الساحتين الإقليمية والدولية