مأزق السلطة وتقويتها

سميح المعايطة

العدوان الاسرائيلي الاخير على مخيم جنين أكد وجود السلطة الفلسطينية في مأزق كبير مع كل اطراف معادلة الملف الفلسطيني، فكل ايام العدوان بكل تفاصيلها والتي جرت على ارض السلطة كانت فيها السلطة طرفا غير مهم ولا مؤثر واقتصر حضورها في الحدث على بيانات وخطابات مكررة واعلان لم تعد له قيمة سياسية وهو وقف او تعليق التنسيق الامني مع اسرائيل، فالجميع يعلم ان هذا التنسيق لم يتوقف يوما لانه اصبح ضرورة للسلطة مثلما هو لاسرائيل.

وجزء من مأزق السلطة انها لم تكن قادرة على التأثير لا على اسرائيل كما انها ليست مؤثرة على المقاتلين في المخيم، وصوتها ليس مسموعا لدى المجتمع الدولي المؤثر ولجأ محمود عباس الى الاتصال مع بوتين وهو يعلم ان روسيا لديها مايشغلها وان اسرائيل واميركا ليست معنية بإعطاء روسيا اي دور، ولهذا كانت السلطة لا تستطيع الضغط هنا او هناك وكان عليها الانتظار حتى انتهاء العدوان لتتخلص من هذا الكابوس.

والجانب الآخر كان متعلقا بحركة فتح التي تمثل حزب السلطة لكنها في موقف حرج امام الفلسطينيين فليست قادرة على الدفاع عن المخيم واهله من خلال السلطة او عبر عمل مقاوم كما انها ليست قادرة على الضغط على اسرائيل عبر العمل السياسي، وربما كان لجوء بعض حركة فتح الى اعلان النفير او تصريحات ثورية جزء من اعلان العجز او استدعاء تاريخ مضى والحسرة على وضع الحركة امام الفلسطينيين.

ولعل بعض الاحتجاجات التي حدثت من فلسطينيين ضد السلطة يعبر عن قناعات تتركها كل مرحلة عن دور السلطة والتنسيق الامني، فإذا كان اي عدوان على غزة تقابله السلطة بالتضامن الاعلامي فان العدوان داخل مناطق السلطة كشف عن الصورة الحقيقية للسلطة لدى قطاعات من الفلسطينيين.

وكما نجحت اسرائيل خلال السنوات الماضية في تقسيم الحالة الفلسطينية في اي عدوان على غزة واكتفاء من في الضفة بالتضامن العاطفي فإن العدوان على مخيم جنين أكد ذات الحقيقه فغزة تضامنت بالتصريحات وبعض الصواريخ غير الموجهة  لكن لم تكن فصائل غزة معنية بأكثر من ذلك.

السلطة اليوم ليست محل ثقة لدى اسرائيل لأنها عاجزة عن القيام بكامل واجباتها في تحقيق التهدئة في الضفة الغربية، وهي لدى أبناء الضفة عاجزة مفلسة، وخصم بل عدو لفصائل غزة، وليست مهمة لأي طرف عربي أو دولي فلا دور لها ولا قدرة على فعل، والعدوان الاخير عمق مأزق السلطة وحركة فتح داخل الضفة وحتى مع اسرائيل.

بعد العدوان على مخيم جنين هنالك حديث اسرائيلي اميركي عن ضرورة تقوية السلطة، والتقوية هنا تعني زيادة قدرتها على ضبط الضفة الغربية ومنع نشاط المجموعات المسلحة بحيث تعود الضفة ساحة هادئة كما كانت خلال السنوات الماضية حين نجحت السلطة في تحجيم حركة حماس والجهاد في الضفة قبل ان تعود بعض المناطق واهمها جنين لتكون مركزا لنشاط مجموعات المقاومة وخاصة من الجهاد الاسلامي، لكن عملية تقوية السلطة التي يتم الحديث عنها من نتنياهو بشكل خاص مقصود بها ان تحمل السلطة عبء ملاحقة المجموعات الفلسطينية المسلحة ليس فيها جانب سياسي يتعلق بعملية تفاوض مثمرة تفتح الباب لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم بل تعني دورا اكبر للسلطة في التنسيق الامني وضبط الضفة الغربية أمنيا، لكن حتى هذه التقوية للسلطة فإن اسرائيل تريدها ضمن ضوابط وحدود.

سياسة إسرائيل صنعت واقعا للسلطة جعل أهميتها ان غيابها يعني الفوضى في الضفة الغربية وهذا ما لا تريده بعض الأطراف ومنها الأردن لتأثير ذلك علينا مباشرة، أي أنها عنوان لمنع الفوضى الشاملة هناك إضافة إلى الدور الأمني الذي تريده إسرائيل، أما نواة المشروع الوطني الفلسطيني فهذه قصة اغلقتها إسرائيل وساهمت بها السلطة بأدائها الداخلي الفلسطيني.