مرحباً بلجنة تقييم التجربة الحزبية


‏حسين الرّواشدة 

‏قبل نحو شهر ونصف (28 /5) ، كتبت في هذه الزاوية أن  "تقييم التجربة الحزبية اصبح واجبا" ، لم يخطر ببالي أن الرد سيأتي أسرع مما توقعت ، فحسب ما لدي من معلومات تم تشكيل لجنة ، بتوجيهات من الملك ، لم يُعلن عنها ، عقدت اجتماعها الأول قبل أيام قليلة ، ووضعت على أجندة نقاشاتها ما جرى على صعيد التجربة الحزبية ، منذ انطلاقها بموجب مخرجات التحديث السياسي ،وحتى  إشهار ترخيص نحو 27 حزبا.

 اللجنة ( كما علمت ) ستتولى مهمة مراجعة تفاصيل التجربة الحزبية  في سياقات ثلاثة : الاول : وضع يدها على الأخطاء ،وتصويبها ،ومنع تكرارها، الثاني : دعم الجهود التي تبذلها إدارات الدولة لتشجيع الأردنيين ،خاصة الشباب ، على الانتساب للأحزاب ،الثالث : انضاج التجربة الديمقراطية داخل الأحزاب ، خاصة على صعيد استعداداتها لتشكيل قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية القادمة. 

‏أعرف ان مهمة اللجنة ستكون صعبة،  لأن أي مقترحات او مخرجات لها ستحتاج إلى تضافر الجهود ، من قبل إدارات الدولة والاحزاب والمجتمع معا، لانجاحها،  لكن المهم هو ان  مجرد تشكيل اللجنة، ثم عدم الاعلان عنها ، يبعث برسائل تطمين للمجتمع ، و رسائل تحذير لمن يتولون إدارة الملف الحزبي،  مفادها أن عملية التحديث السياسي ستمضي للامام ، ولن يُسمح لأحد أن يتدخل فيها ، أو أن يضع العصي في دولابيها .

صحيح حدثت أخطاء ، وربما عديدة وثقيلة ، لكن المهم هو الاعتراف بها والتأشير عليها ، ثم التعاون من قبل الجميع لاستدراكها أوحلها ، هنا أعتقد أن أي إجراءات لتصويب المسار الحزبي خلال " البروفة"  الأولى سيكون مهما،  لانه سيقنع الذين انتسبوا للاحزاب  ، والآخرين الذين مازالوا مترددين،  بأن العملية تحت نظر الدولة واهتمامها،  من أعلى مرجعياتها،  وأن ضمانات إنجاحها لن تخضع للمزاجية ، مهما كان عنوانها.

‏في تقديري ، أهم ما يمكن عمله في مجال إعداد الأحزاب للانتخابات ، المتوقع إجراؤها بعد نحو عام ، هو توطين الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها ، لا يمكن لأي حزب أن يقنع الناخبين بالتوجه إلى صناديق الانتخاب ، مالم يكن قدّم لهم نموذجا ملهما للديمقراطية من داخله،  هنا لابد أن نعترف أن معظم الأحزاب الوليدة و المتجددة لم تسلك هذا الطريق،  وإنما اختارت قياداتها ،على كافة المستويات ،. "بالتوافق" ، ( لا تسأل كيف؟)،  مما إفرز حالة عدم رضا من قبل قطاعات من الشباب داخل الأحزاب ، ومما قد يُفضي إلى فقدان ثقة الأردنيين بهذه التجربة  اذا استمرت على هذا المنوال، 

‏لا شك أن ثمة أخطاء أخرى واكبت عملية تشكيل الأحزاب،  وثمة مخاوف من صدمة نتائج الصناديق في أول امتحان للتجربة بعد عام ،  هذا يقتضي أن نطرح ما يلزم من أسئلة دون تردد،  ابرزها  إصرار البعض على ركوب موجة الأحزاب ، أقصد أعضاء نادي الوضع القائم الذين يتصدرون الصفوف الأولى ، ثم ضرورة أبعاد المال السياسي عن هذه التجربة ، خاصة فيما يتعلق بقوائم المرشحين مستقبلا لانتخابات البرلمان ، هذه النقطة يجب أن تُحاط بالشفافيه ، وأن تحظى برقابة الدولة ، لأنها ستشكل مفصلا مهما في نجاح الحزبية أو فشلها.

‏من الملفات المهمة، أيضا ، في إدارة التجربة الحزبية ، ملف ترسيم حدود التدخل والاشراف بشكل واضح ، أقصد ان مهمة إدارات الدولة هي تشجيع الأردنيين ،وتمكينهم من الانخراط بالأحزاب ،ثم مراقبة العملية ،لمنع أي تجاوزات فيها،  فيما يجب أن يُترك للأحزاب أن تدير نفسها بنفسها ، وأن تفرز قناعاتها واختياراتها دون وصاية من احد،  كل الأحزاب التي تم ترخيصها تدور في فلك الدولة ، والمصلحة الوطنية ، ولا يوجد أي مخاوف حقيقية من أي إفرازات لها ، ما دامت ملتزمة بالقوانين والتقاليد الأردنية.

‏أهلا ومرحبا  بلجنة تقييم مسار التجربة الحزبية ،  ونتمنى أن نسمع قريبا عن تقييمات حقيقية لهذه التجربة ، تطمئننا على أننا نسير بالاتجاه الصحيح ، وأن هذا الاستحقاق ،الذي بدأنا به المئوية الثانية للدولة ، سيشكل تحولا ديمقراطيا ، يأخذنا إلى وضع قادم أفضل.