إليكم نَص خطبة الجمعة اليوم في الأردن
عممت وزارة الأوقاف على مديريات الأوقاف خطبة الجمعة الموحدة.
وجاء عنوان الخطبة المقررة لليوم الجمعة 23-6-2023، بعنوان "تعظيم شعائر الله"
وتاليا نص المادة العلمية المقترحة:
بعد أيام قليلة نستقبل يوم عرفة أعظم أيام الدنيا، وقد أقسم الله به في قوله تعالى: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾البروج: 3، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ…”؛ وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله:﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر﴾ الفجر: 3، قال ابن عباس: “الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة”.
إنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، قَالَ رَسُولُ اللهِ r : (وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ) صحيح ابن حبان.
وعن عَائِشَة رضي الله عنها: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ:( ما من يومٍ أكثرُ من أن يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ ، وأنه لَيدنو ، ثم يباهي بهم الملائكةَ فيقول : ما أراد هؤلاءِ ؟ اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم) رواه مسلم.
ومما يسنُّ في يوم عرفة صيامه؛ فإنّ صيامه يكفّر ذنوب سنتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رواه مسلم.
فليحرص كل مسلم على صيامه، ويحث أهله وأصحابه على صيام هذا اليوم المبارك لنيل مغفرة الله تعالى ورضوانه.
إنَّ يوم عرفة يومٌ يرجى إجابة الدعاء فيه، وهذا ما اخبرنا به سيدنا r؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ:(خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؛ رواه الترمذي، فعلى المسلم أن يتفرغ للذكر والدعاء والاستغفار في هذا اليوم العظيم، وليدع لنفسه ولِوالديْه ولأهله وللمسلمين.
عباد الله:
إن من شعائر الله تعالى العظيمة والتي نتقربُ بها إلى خالقنا عز وجل في يوم النحر تقديم الهدي والأضاحي، قال الله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الحج:36
وفي وصفه تعالى للإبل والبقر بالبُدن؛ دلالة على البدانة أي أنه يفضّل في الأضحية والهدي ما كان أكثر لحماً وأكبر حجماً، وقد أخفى الله تعالى الثواب المترتب عليها فقال: (لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) فجاءت كلمة (خير) نكرة لتفيدَ التعظيم.
فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عمَلاً أحَبَّ إلى اللهِ – عزَّ وجلَّ – مِنْ هراقةِ دَمٍ، وإنَّهُ ليَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ بِقُرُونِها وأظْلافِها وأشْعارِها، وإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِن اللهِ – عزَّ وجلَّ – بِمَكانٍ قَبْلَ أنْ يَقَعَ على الأرْضِ، فَطِيبُوا بِها نَفْسًا) الترمذي وابن ماجه.
فإذا كان الحجيج في مكة المكرمة يذبحون شكراً لله تعالى على إتمام مناسكهم من دم التمتع والهدي والقِران، فإنّ المسلمين في مشارق الارض ومغاربها يذبحون الأضاحي شكراً لله تعالى، وإحياءً لسنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام مع سيدنا إسماعيل عليه السلام، فكرامةً لهذا النبي الكريم جعل الله البُدن من الشعائر العظيمة التي يُتقرب بها الى الله عز وجل في كل زمانٍ ومكانٍ.
ومن هنا يجب علينا أن نعظّم شعيرة الأضحية في قلوبنا وفي مجتمعاتنا فكلُّ شعائر الله معظّمة، قال الله تعالى:﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج:32.
ومن تعظيم هذه الشعيرة المباركة، أن نحسن اختيارها من أحسن الأنواع وأحبها إلينا؛ لأنها قُربة لله عز وجل، قال تعالى:﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾الحج:37، لذا يشترط فيها أن تكون سليمة من العيوب التي تُنقص من قيمتها أو لحمها، ويُستحب استسمانها وأن يبذلها بطيب نفسٍ، وأنْ يأكل منها ويجب أن يطعم الفقراء منها، ويعطي الأقارب والأصدقاء، قال الله تعالى:﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ الحج:36، وقد ثبت في حديث عروة عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم:( أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد، ويَبرك في سواد، فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: بسم الله، اللهم تقبَّل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحَّى) أخرجه مسلم
ويجب أن يفطنَ المسلمون أنّ لحمَ البُدن، إنما يطيبُ اذا روعيت الآداب التي من شأنها أن تكون رفقاً بالأضحية، فلا توضع في أجواء حارة أو باردة قد تؤذيها، وأن تُسقَى الماء، وأن يهتم باطعامها فلا تُجَوَّع قبل ذبحها، وأنْ تقاد إلى مكان الذبح قوداً حسناً، وأن تُحدَّ السكينُ قبل ذبحها، وأن لا تذبح أمام أخواتها، وتُراحَ بعد الذبح وقبل السلخ، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته) رواه الترمذي، حتى أنّ الإسلام جعل إضجاع الذبيحة فترة سنّ السكين وأمام أعينها من الأمور التي تؤذي الأضحية، ورد أنَّ رَجُلًا أضجَعَ شاةً يُريدُ أن يَذبَحَها، وهو يُحِدُّ شَفرَتَه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أتُريدُ أن تُميتَها مَوتَتَينِ؟! هلا حَدَدْتَ شَفْرَتَك قبل أن تُضجِعَها) أخرجه الطبراني والحاكم
وهذا بخلاف ما نراه في هذه الأيام في طريقة ذبح بعض الناس للأضاحي، من أمور تغضب الله تعالى وتغضب رسول الله صلى عليه وسلم.
ومن الأدب الرفيع أن نراعي الأخلاق الكريمة وأن نبتعد عن رمي بقايا الأضاحي في الطرقات والأماكن العامة؛ حفاظاً على النظافة حتى لا يلحق الاذى بالناس، ولكي نحمي البيئة ونحافظ عليها، قال صلى الله عليه وسلم:( لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
ولا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب،33 :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، وعليكم أيضا بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين