النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
د. محمد حسين المومني
بلغت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية العام الماضي 8.7 %، وهي نسبة مرتفعة جدا تكاد تكون الأعلى بالعالم، تفوقت على الصين والهند والنمور الآسيوية ذوات الاقتصادات عالية النمو.
باقي دول الخليج شهدت أيضا معدلات نمو مرتفعة، ولكن يبقى الاقتصاد السعودي بالصدارة. تسنى هذا النمو في جزء كبير منه بسبب ارتفاع أسعار النفط والعوائد المالية التي ترتبت على ذلك، في ضوء الأزمة الأوكرانية والعقوبات على النفط والغاز الروسي، ولكن جزءا متناميا من هذا النمو تسنى أيضا بسبب الرغبة الكبيرة عند الأشقاء في السعودية والخليج تنويع اقتصاداتهم في تهيئة لمرحلة انخفاض أسعار النفط، فنرى خطوات كبيرة باتجاه قطاع تكنولوجيا المعلومات، والرياضة والترفيه، والسياحة، وقطاعات أخرى واعدة سترفد الاقتصاد بعوائد تتنامى حتى لا يبقى قدر الاعتماد على النفط الخيار الوحيد للنمو.
مليارات، بل تريليونات الدولارات التي توفرت بسبب ارتفاع أسعار النفط، يتم ضخها في استثمارات نوعية بعيدة المدى، وهذا يعود بالخير على الاقتصاد. شراكات دول الخليج والسعودية الدولية مع الاقتصادات الصاعدة أسهمت أيضا بتقوية اقتصاداتهم، فنرى شراكات اقتصادية مع الصين والهند بالتوازي مع الولايات المتحدة وأوروبا وليس كبديل عنها، مع بقاء أميركا الشريك الأمني والعسكري الأساسي لدول الخليج. كل هذا سيعود بالخير على الجميع، ففي زمن العولمة والاعتماد المتبادل، أي تقدم لأي دولة اقتصاديا وتكنولوجيا يعود بالخير على الجميع.
الأردن سيكون مستفيدا من تنوع اقتصادات أشقائنا بالخليج، فالتوقعات أن الطلب على الأيدي العاملة سوف يزداد، ومزيد من المشاريع المشتركة سوف تنشأ، لا سيما قطاعات السياحة وتكنولوجيا المعلومات. المهندس الأردني، وصانع المحتوى الأردني، والعامل بقطاع تكنولوجيا المعلومات الأردني من الأكثر طلبا في دول الخليج. هو ينافس العمالة الهندية والباكستانية واللبنانية والمصرية، وهذا طبيعي ومتوقع، ولكن وفرة الفرص وتميز الخريج الأردني بمهارات هي الفيصل في سوق يشهد نموا، والمعادلة فيه تخضع للعرض والطلب على السلع والمهارات.
في ضوء ذلك، يتوقع أن تزداد أعداد العاملين الأردنيين بالخليج، والتي تقدر الآن بمئات الآلاف من العاملين الذين أثبتوا قدرة وكفاءة وانضباطية وإنتاجية، فأصبحوا لذلك مطلوبين ومرحب بهم، وفي كثير من الأحيان، يعطون ميزة وأسبقية على غيرهم. هذه الصفات للمهارات الأردنية أصبحت المسوق الأكبر لسوق العمل الأردني في الخليج، وبالطبع من لا يملك مهارة لن يجد من يطلبه ولا يوظفه في أي شركة أو مصنع أو مؤسسة، لذا فواجب علينا جميعا أن نهيئ عمالتنا لواقع الاقتصاد الخليجي المتنامي والمتحول لأنه بغير ذلك ستتراجع حصتنا بسوق العمل.
إذا كان الأشقاء في خير فنحن نفرح لهم ونسعد، ونعتبر أن هذا خير لنا أيضا. هذه هي الروحية التي عرفت نظرتنا الاستراتيجية نحو دول الخليج، ليس على الصعيد الأمني فقط، بل وأيضا على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي. هم يبادلونا نفس النظرة والروحية، لذلك فكلانا لا يجمعنا فقط التاريخ المشترك والكبير، ولكن يجمعنا أيضا مصير مشترك ورؤية متقاربة الى أبعد الحدود.