العنف الجامعي.. مجتمع هش!
ما يزال المُجتمع الأردني يُعاني من أمور سلبية عدة، من الجائز أن نُطلق عليها بأنها «مفصلية»، وباتت تضرب أركانه وفي الصميم.. فما تكاد تحدث مُشكلة ما أو تقع أزمة مُعينة، حتى ترى البعض يصطف إلى جهة غير تلك التي يؤكدها القانون والدستور، غير آبه بما تؤول إليه الأمور جراء ذلك، حتى ولو كان على حساب الوطن.
قبل فترة وجيزة، حدثت مُشاجرة طلابية في الجامعة الأردنية (الجامعة الأم)، «أبطالها» يُمثلون منطقتين مُختلفتين من مناطق المملكة، وقبل ذلك كانت الجامعة الهاشمية تشهد مُشاجرة طلابية أيضًا، لكن هذه المرة «أبطالها» من منطقة واحدة، لا بل يرتبطون بروابط الدم والنسب.
فقد يكون من الطبيعي حدوث مُشاجرة بين اثنين أو ثلاثة أو حتى أربعة من طلاب جامعة ما، وإن كان المنطق والقانون يلفظان كُل ذلك، لكن ما هو غير معقول استمرار حدوث مُشاجرات جماعية بين طلاب جامعة يُمثلون منطقة معينة، ناهيك عن وصم المُجتمع بأنه «بدائي»، أو «جاهلي».
وعلى فرض تم التسليم بذلك، أو لنقل «قبوله»، جدلًا، فإن ما وقع في هاتين الجامعتين خلال الفترة الماضية، يكشف عن مدى «هشاشة» المُجتمع الأردني، وما يدور سلبًا في خُلد الكثير من أبنائه، إلا من رحم ربي، وهم قلة... فالهُتافات والتحريضات والشتائم التي حصلت في هاتين «الواقعتين»، تضع أبناء الوطن، مسؤولين وعامة، مُتعلمين وأُميين، في مواقف أو مواضع لا يُحسدون عليها.
ويا ليت الأمر يقف عند موضوع الحسد، فأعمى البصر والبصيرة، وعلى قلبه غشاوة، كُل من يُقلل من شأن ما حدث في هاتين «المُشاجرتين»، وحتمًا أنه لا يُريد خيرًا لوطن، يُعاني منذ أعوام عديدة، من انفلات اجتماعي وأخلاقي، فالأردنيون يستفيقون كُل صباح إما على وقوع جريمة قتل أو سرقة أو تجارة مُخدرات أو تعاطيها، فضلًا عن تلك الجرائم التي تحدث بين الأُسرة الواحدة، وما تُعانية من «تفكك».
ليس هناك مُبالغة عندما يتم القول إن هاتين «الواقعتين» أكدتا أن الأردن، جاهز، وللأسف، لخسارة الكثير مما تم بناؤه، أو ما تم إنجازه، أو الضرب بعرض الحائط كُل ما قُدم من تضحيات وشهداء دافعوا في يوم ما، بكُل إخلاص وولاء وانتماء، عن تراب هذا الوطن.
وما يدعو للاستغراب، أن الأردن الذي دخل مئويته الثانية، ما يزال بعض مواطنيه يُعانون من قصور في التفكير، فبدلًا من إعلاء القانون وقيمته، بُغية نشر العدالة، وإرجاع الحقوق لأصحابها، والوقوف مع المظلوم وضد الظالم في الوقت نفسه، وكذلك إعلاء القيم الإيجابية لعادات وتقاليد نشأنا عليها، تراهم يجنحون إلى انتماءات ضيقة، بعيدة كل البعد عن مقومات تقدم وازدهار أي دولة، لا بل بعيدة عن إيجابيات العشائرية الحقة.
إذا ما أُريد لهذا الوطن الخير، فإنه يتوجب التشديد بتطبيق القانون، بكل حذافيره، على كُل من تُسول له نفسه الخوض في مثل هذه «المعارك»، أو المُشاركة فيها، ووضع حد لأولئك الذين يعيثون فسادًا في الوطن، ولو عن طريق الخطأ أو «الحمية» أيا كانت.. إذا ما أُريد لهذا الوطن الخير، فإنه يتوجب على المعنيين وضع الإصبع على مكان الجُرح، أو بمعنى أصح «الدُمل» الضار، حتى يتم التمكن من تشخيص الداء وبالتالي وضع الدواء المُناسب، حتى لو كان مُرًا.