الأحزاب السياسية والمرحلة المقبلة
كتب: م. عدنان السواعير
الدول ذات الديمقراطيات العريقة، وصلت لهذه الدرجة من الديمقراطية بتضحيات كبيرة على مدار السنين ولكنها وصلت أيضاً بالممارسات الديمقراطية المتواصلة والتراكمات والتي رسخت لدى الأغلبية في هذه الدول أن المشاركة في صنع القرار لن تكون فاعلة إلا بالدخول من البوابة الواسعة وهي بوابة الأحزاب السياسية.
في وضعنا الداخلي، لنسلم بالأمر الواقع والذي لا يجب أن يكون مؤرقاً لأحد وهو أن الأردنيين الذين سينتمون للأحزاب لن تتعدى نسبتهم بأحسن الأحوال 2 % من الأردنيين أو ربما أقل من ذلك وهذا مفهوم ومستوعب، الدول الديمقراطية والتي تعمل بها الأحزاب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ورغم تجذر الحياة الحزبية البرامجية لم يتعد عدد المنضمين للأحزاب بها هذه النسبة، يحدث ذلك رغم إيمانهم المطلق بالعمل الحزبي ومبدأ التبادل السلمي للسلطة بين الأحزاب نفسها.
بالانتخابات النيابية القادمة ننتقل نحو مرحلة سياسية جديدة عمادها الأحزاب وعليها يعتمد مدى نجاح العملية برمتها وانتقالنا نحو المراحل التي تليها والتي ستكون بها نسبة البرلمانيون الحزبيون 50% ومن ثم 65% (على الأقل في كلتا المرحلتين)، الانتخابات النيابية القادمة ستكون الأولى من نوعها والتي تقدم قوائم حزبية على مستوى الوطن ليشكلوا 30% من عدد نواب البرلمان القادم إضافةً للحزبيين الذين سيتم انتخابهم على الدوائر المحلية وأعتقد أنها ستكون بالحد الأقصى 10% من عدد البرلمانيين، هذا سيوصل عدد الحزبيون في البرلمان القادم لنسبة 40% في أحسن الأحوال.
المهمة التي تقع على عاتق البرلمان القادم ليست بالسهلة ويجب التحضير لها منذ الآن، هذه المهمة تقع بالدرجة الأولى الآن على عاتق الأحزاب التي ستكون موجودة بعد تجاوزها لقانون الأحزاب الساري المفعول وعلى التكنوقراطين والذين نسمع لهم على مختلف المحطات التلفزيونية أو نقرأ لهم المقالات المختصة بكافة النواحي والاختصاصات والقطاعات المفصلية.
مفهوم الحزب الجديد وحسب المادة 3 من القانون يقول أن الحزب يؤسسه أردنيون (وأردنيات) تجمعهم رؤى وأفكار مشتركة والمشرع قصد من ذلك حماية الأحزاب نفسها وقيامها على المبادئ والأفكار المشتركة وبالتالي يجب أن يكون المؤسسون على خط سياسي واحد وذلك لتفادي الردات التي من الممكن أن تحدث بعد أول منعطف مثل الانتخابات، لا يمكن للأحزاب أن تعمر وأن تستمر إن لم يكن هناك الحد الأدنى الذي يجمع بين الأعضاء، عكس ذلك سيؤثر بالتأكيد على مستقبل الحياة السياسية وعلى مصداقية الأحزاب نفسها ومصداقية العملية الإصلاحية برمتها.
الأحزاب المقبلة يجب أن تكون برامجية بالدرجة الأولى والبرامج يجب أن تغطي كافة المناحي وأن تكون بالأحزاب لجان مرادفة لكل الوزارات الموجودة وتقدم برامجها المختصة لكل وزارة، بمثابة حكومة الظل، لا يمكن اليوم المعارضة من أجل المعارضة أو التأييد من أجل التأييد، بل يجب تقديم البرامج والحلول، ومن سيبني هذه البرامج هم بالتأكيد التكنوقراطيون المختصون ولديهم رؤية من الممكن أن يتقاسمها معهم الحزب الذي ينتمون إليه، من هذا الباب أجد أنه على التكنوقراطيون المشاركة بالحياة الحزبية والعمل على إيصال البرامج التي يؤمنون بها من خلال الأحزاب وهنا تكمن مشاركتهم بصنع القرار، عكس ذلك سيبقى حبر على ورق وسنستمر بالعمل الفردي المعتاد.