نصائح يمكن نقعها وشرب مائها
ماهر أبو طير
تغادر أول مجموعة فلسطينية قليلة العدد عبر مطار رامون جنوب فلسطين المحتلة، للسفر الى قبرص، وبدلا من أن تأتي الى الأردن عبر الجسر لتسافر عبر مطار الملكة علياء، تسافر المجموعة عدة ساعات من الخليل وبيت لحم، الى المطار الاسرائيلي الميت سريريا، قرب مدينة العقبة.
شركات الطيران الأردنية، حذرت مرارا من تحول الفلسطينيين للسفر الى مطار رامون، لأن هذا سوف يتسبب بخسائر فادحة لها، كون اغلب الفلسطينيين يسافرون برا الى الأردن، ومن الأردن ينتقلون بشركات طيران أردنية من مطار الملكة علياء الى تركيا، وبقية الدول التي يسافرون اليها، وهذا يعني ان فتح رامون، وبدء تنظيم رحلات من خلاله سوف يرتد بشكل سلبي على الأردن.
اسرائيل استغلت شهور الصيف بحرارتها المرتفعة، وضيقت على الفلسطينيين في الذهاب والاياب عبر الجسور مع الأردن، وفي الوقت نفسه بدأت لعبتها بفتح مطار رامون، الذي لا يشغل رحلات منتظمة لكنه سيتحول تدريجيا الى مطار برحلات منتظمة الى دول كثيرة يسافر اليها الفلسطينيون، والمفارقة هنا ان المطار بعيد عن الضفة الغربية، لكنه بات يقدم باعتباره اسهل على الفلسطينيين من السفر برا وعبور الجسور بكل الازدحامات التي يواجهها الناس، صيفا.
موقف سلطة رام الله، كان متواطئا مع الاحتلال، مهما قالوا العكس، اذ ان لغة المسؤولين في رام الله كانت ناعمة، تارة، ومائعة تارة في مرات ثانية، حيث لم يمنعوا الفلسطينيين بشكل محدد وواضح من اللجوء لمطار رامون، وبثوا نصائح وتمنيات، بدلا من التنبه لكلفة هذا السلوك على العلاقة مع الاردن، بل ان مسؤولا في وزارة النقل الفلسطينية، خرج ليقول علنا أن الوزارة واضحة في موقفها تجاه السفر عبر مطار رامون واعلنت نصائحها للمواطنين بعدم استخدامه كونه مصلحة اقتصادية إسرائيلية فقط، بالإضافة إلى مس السيادة الفلسطينية.
هكذا اذاً هي القصة، مجرد نصائح، وليس قراراً بالسماح او المنع، والنصائح هنا يمكن نقعها وشرب مائها، لأن اسرائيل لن تهلع، مثلما ان هذه ميوعة سياسية، من حيث مفردات الخطاب الموجه للفلسطينيين الذي يفترض ان يقوم على المنع وتوجيه الناس نحو الأردن، بدلا من رامون.
الكارثة الادهى والامر ان هذا المسؤول يتهم الأردن ضمنيا بسبب تأخير الناس على الجسور، ويقول في تصريحه ” هناك حوار مع الأردن لتخفيف الإجراءات على المواطنين الفلسطينيين للسفر بما يضمن تقليل التكاليف والوقت خلال السفر، خاصة بعد الاتفاق على فتح المعبر 24 ساعة مع بداية شهر تشرين الثاني، بحيث يكون السفر أيسر على المواطنين”.
بدلا من هذه الفلسفة غير المنتجة كان الاولى الاشارة الى العراقيل الاسرائيلية، وليس الالماح بشأن الاردن، ووجود كلف مالية وبطء في الاجراءات، خصوصا، اننا نعرف ان اسرائيل هي التي كانت تمنع الناس من العبور بعد الرابعة عصرا، لمشاكل تدعيها في شركة الخدمات الاسرائيلية، مثلما ان اسرائيل كانت ترفض مرور اكثر من 4 آلاف شخص، وقد تقبل بـ5 آلاف شخص.
نحن لا نريد رمي الكرة على سلطة رام الله البائسة، لاننا نعرف انها لا تجرؤ على منع مكاتب السياحة والسفر من الترويج للسفر عبر رامون، ولا تجرؤ ايضا على منع مواطنيها، خصوصا، ان كبار المسؤولين في السلطة ذاتها يحتاجون الى موافقات اسرائيلية للمرور من رام الله الى البيرة المجاورة، وهم ليسوا في موقع من يمنع او يفرض، ويكتفون اليوم بتوجيه النصائح والنداءات.
هذه قصة تستحق التسييس، لاعتبارات كثيرة، لكنها من جهة ثانية لا تراعي ايضا مصالح الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين يعتاشون ايضا من سفر الفلسطنيين ونقلهم وبقية القضايا المتعلقة بالوصول الى الجسور، فنحن هنا امام كلفة سيئة تتنزل على الفلسطينيين، ايضا، ثم الاردنيين، بما يجعلنا نسأل عن الذي تفعله سلطة رام الله لوقف هذه المهزلة.