أهم ما قاله بايدن
د. محمد المومني
الزيارة الأميركية مهمة واستراتيجية بمحطاتها كافة: إسرائيل، فلسطين، وقمة جدة.
في إسرائيل تأكيد على مواقف سابقة وإعلان حزم مساعدات أظهرت قوة أميركا أمام إسرائيل، وانها الطرف الأكبر والاقدر في هذه العلاقة، إلا أن التأكيد على حل الدولتين أتى على لسان بايدن في البيان المشترك والتصريحات، وليس على لسان أي مسؤول إسرائيلي.
كان ملفتا لقاء بايدن بنتنياهو كزعيم معارضة، وتأثير بايدن في المشهد الانتخابي الإسرائيلي سيتضح بالمستقبل القريب وهو ليس بالأمر القليل.
مع الرئيس عباس لم يكن هناك بيان مشترك، وانما بيانان منفصلان، بسبب خلاف على إدراج القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية.
الرئيس بايدن كان واضحا أنه مع حل الدولتين، إلا أن الظروف غير مهيأة له، وكأنه يقول للفلسطينيين والعرب اننا نتعاطف معكم ونريد حل الدولتين ولكننا لن نجبر أحدا عليه، لذا فعليكم اقناع أو إجبار إسرائيل على ذلك.
مجرد الزيارة للسلطة دعم معنوي كبير للفلسطينيين، وتقديم 200 مليون للأونروا و100 لمستشفيات القدس فيه رمزية كبيرة وموقف إيجابي.
في جدة، اشتباك بكافة الملفات الأمنية والاقتصادية وحقوق الإنسان، وبصراحة دون مواربة، اظهرت ان الجميع مستعد لقبول اختلافه مع الآخر لان ما يجمع الأطراف أكثر مما يفرقها.
في ملف الطاقة الحساس، حرص بايدن والوفد الأميركي عدم إعطاء أي املاءات، أو الخوض بنقاشات وتصريحات تحرج الخليج، وتم الاكتفاء بالتأكيد أن أمن الطاقة وزيادة العرض سيكون مفيدا للجميع بمن فيهم دول الخليج صاحبة المصلحة باستقرار الأسعار وعدم انفلاتها بعيدا عن حدود 70 دولارا للبرميل.
الزيارة بحد ذاتها قللت من أسعار النفط التي انخفضت لحدود 100 دولار متأثرة بالتوقعات الإيجابية لزيارة بايدن، والإعلان عن زيادة ضخ النفط الأميركي.
كل هذا إيجابي، لكن الأهم على الإطلاق حديث الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة ربما أخطأت بمقاربتها إعادة التموضع نحو آسيا مبتعدة عن الشرق الأوسط التي أسسها أوباما ونائبه بايدن.
الحديث لا يعني الابتعاد عن آسيا، فتلك ما تزال الاهم استراتيجيا بسبب الاقتصاد والصين وروسيا، الجديد أن الاهتمام بآسيا لا يعني ترك الشرق الأوسط أو إهمال المصالح فيه، وقد علمتنا التجربة مؤخرا أن الشرق الأوسط ذو أهمية غير قابلة للتجاهل لأسباب عدة.
تلك الأسباب أوضحها بايدن في مقال له في الواشنطن بوست حدد ثلاث أهميات استراتيجية للشرق الأوسط: “أمن الطاقة” التي تبين انها سلاح استراتيجي فتاك يؤثر على التنمية والرفاه بالعالم ويسهم بمعالجة نزاعات كذلك الروسي الاوكراني، و”الممرات المائية” الشرق أوسطية التي تعبر منها الغالبية العظمى من التجارة العالمية، و”مكافحة التطرف الإرهاب” الذي ما يزال الشرق الأوسط مصدرها الأساس.
إسرائيل والقضية الفلسطينية ليست من اهتمامات أميركا في المنطقة وهذا مؤسف، لكن باقي المصالح حيوية ومهمة، طرحها من قبل الرئيس الأميركي يعني اننا دخلنا مرحلة مراجعة لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي ستعيد الاعتبار لمنطقة الشرق الاوسط، توضح وتزيد من الاشتباك الأميركي في المنطقة بعد سنوات من اللاوضوح اربك الجميع.
هذا أهم ما قاله بايدن ليس فقط لفحواه وانعكاساته الاستراتيجية المتوقعة، ولكن أيضا لانه يأتي من أحد عرابي سياسة التموضع الأميركي نحو آسيا.