
رسائل الضربات الأخيرة للحوثيين
قال رئيس برنامج الدراسات الإقليمية في مركز الشرق الأوسط للدراسات الأستاذ الدكتور نبيل العتوم إن الولايات المتحدة تسعى عبر عملياتها العسكرية الأخيرة، إلى ترسيخ مقاربة متعددة الأبعاد في إدارة الصراع مع الحوثيين، تتجاوز مجرد احتواء التصعيد إلى إعادة تشكيل قواعد الاشتباك في المنطقة، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية الكبرى.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه المقاربة، التي تتقاطع مع الحسابات الإقليمية والدولية، تعكس تطورًا نوعيًا في أنماط التعامل الأمريكي مع التهديدات غير التقليدية، لا سيما في ظل تعقيد المشهد الجيوسياسي الذي يتجاوز اليمن ليطال التوازنات الإقليمية الأوسع.
رسائل عملياتية متعددة المستويات
أولًا: ردع الحوثيين وإعادة ضبط قواعد الاشتباك
وبيّن العتوم أن الضربات الأمريكية الأخيرة تنطوي على رسالة حاسمة مفادها أن واشنطن لم تعد تتبنى سياسة "الإدارة من الخلف"، وأنها انتقلت إلى نهج مباشر يرتكز على استهداف البنية العسكرية واللوجستية للحوثيين، في محاولة لتقويض قدرتهم على تهديد الملاحة الدولية، في تحول يشير إلى أن الولايات المتحدة باتت ترى في التحركات الحوثية في البحر الأحمر خطرًا استراتيجيًا يتطلب استجابة تتجاوز نطاق الدفاع إلى الهجوم الاستباقي، بما يشمل تدمير منصات الصواريخ والطائرات المسيّرة ومراكز القيادة والسيطرة.
ثانيًا: طمأنة الحلفاء وإعادة تفعيل مظلة الردع الإقليمية
ونوّه إلى أن هذه العمليات تأتي في سياق أوسع من إعادة رسم معادلات الأمن الإقليمي، حيث تسعى واشنطن إلى طمأنة حلفائها بأن التزامها بأمنهم لم يتراجع، وأنه بات أكثر صلابة في مواجهة التهديدات المتصاعدة، فالولايات المتحدة، التي تعرضت سياساتها في الشرق الأوسط لانتقادات بسبب ما وُصف بانسحابها التدريجي، تحاول الآن إثبات أنها لا تزال الطرف الأكثر قدرة على فرض التوازن في المنطقة، عبر تصعيد استهدافها للحوثيين، ومن خلال تأكيد دعمها غير المشروط لحلفائها، خصوصًا في ظل تصاعد التهديدات الإيرانية.
ثالثًا: الضغط على إيران وإعادة توجيه مسارات التصعيد
وأشار العتوم إلى أنه لا يمكن فهم التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين بمعزل عن الحسابات الاستراتيجية الأكبر المتعلقة بإيران، فالرسالة الضمنية التي ترسلها واشنطن إلى طهران تتجاوز البعد العسكري المباشر، إذ تهدف إلى إضعاف الأذرع الإقليمية لإيران، وإعادة ضبط ميزان القوى بما يحدّ من قدرتها على المناورة في الملفات الكبرى، وعلى رأسها البرنامج النووي، مضيفًا أن الضغوط الأمريكية تشكل جزءًا من معركة دبلوماسية ممتدة، تهدف إلى دفع إيران نحو تقديم تنازلات استراتيجية في مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي، عبر تقويض نفوذها العسكري في المنطقة.
تصعيد نوعي في العمليات العسكرية
ولفت الانتباه إلى أن الضربات الأخيرة تتميز بكونها أوسع نطاقًا وأعلى كثافة من سابقاتها، حيث استهدفت مواقع حساسة في ست محافظات يمنية، طالت مقرات القيادة السياسية والعسكرية للحوثيين، فضلًا عن تدمير منصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، وهذا التصعيد يعكس تحوّلًا في العقيدة العسكرية الأمريكية تجاه الحوثيين، إذ باتت العمليات تأخذ طابعًا استنزافيًا ممنهجًا، يهدف إلى تفكيك القدرات القتالية للحوثيين على المدى الطويل.
واستطرد قائلًا إن العمليات الأمريكية تتقاطع مع الاستراتيجية الإسرائيلية التي ترى في استهداف الحوثيين فرصة لتوجيه ضربة مباشرة إلى المحور الإيراني، ذلك أن التصريحات الأخيرة الصادرة عن تل أبيب، والتي أكدت استعداد إسرائيل للانخراط في أي مواجهة عسكرية ضد الحوثيين، تكشف عن تنسيق عملياتي غير معلن، يُرجَّح أن يتخذ شكل ضربات دقيقة تستهدف القيادات الحوثية والمواقع الاستراتيجية، ضمن سيناريو مشابه لما جرى في جنوب لبنان خلال المواجهات مع حزب الله.
التداعيات المحتملة
وذكر العتوم أنه مع تصاعد المواجهة، يبقى السؤال الأهم مرتبطًا بمستقبل هذه العمليات وما إذا كانت ستتطور إلى مواجهة أوسع، أم أنها ستبقى ضمن إطار الضربات المحدودة، مشيرًا إلى أن نجاح الحوثيين في الصمود أمام الضغوط العسكرية قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع، في حين أن استمرار العمليات الأمريكية قد يدفع إيران إلى إعادة تقييم خياراتها، إما عبر التصعيد المباشر أو من خلال تصعيد غير مباشر عبر أذرعها الإقليمية الأخرى، ما قد يفتح الباب أمام مزيد من التعقيد في المشهد الأمني للمنطقة.
وتابع أن الإدارة الأمريكية باتت تدرك أن معركتها مع الحوثيين ليست مجرد مواجهة تكتيكية، بقدر ما هي جزء من معركة جيوسياسية أوسع تُعيد فيها واشنطن صياغة استراتيجيتها في الشرق الأوسط، بما يتناسب مع التحديات الجديدة، وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق "نصر استراتيجي" عبر استنزاف الحوثيين وإضعاف النفوذ الإيراني، تبقى التداعيات غير محسومة، في ظل احتمالات التصعيد المتبادل، وتأثيرات ذلك على خريطة التحالفات الإقليمية.