7 وصايا للتعامل مع ترمب

 

يرى مؤسس صحيفة "أوهايو بالعربي"، عبد الله المبيضين، أن المبالغة في تضخيم تأثير شخصية دولاند ترمب على حساب تقدير طبيعة النظام السياسي الأمريكي قد تكون مجانبة للصواب، إذ إن الولايات المتحدة تُدار بمنطق المؤسسات، لا الأفراد، مهما بلغ نفوذه، فالرئيس، مهما بلغت سطوته، يظل محكومًا باعتبارات توازن القوى داخل النظام السياسي، ما يجعل من الصواب التركيز على فهم منطق الدولة الأمريكية ككل بدلًا من حصر الرؤية في شخص ترمب وحده.

وأوضح المبيضين في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن التعامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يستلزم استيعابًا معمقًا لجملة من المرتكزات الحاكمة لسلوكه السياسي، والتي تشكل في مجملها الإطار الناظم لمواقفه وقراراته، ذلك أن نهجه الذي اتسم بقدرٍ عالٍ من البراغماتية المجردة من الاعتبارات الأيديولوجية أو الالتزامات التاريخية، يختزل السياسة في معادلة تقوم على منطق الصفقات، حيث تتقدم المكاسب العاجلة على أي حسابات استراتيجية طويلة الأمد.

البراغماتية الهجومية

وبيّن المبيضين، أن جوهر قرارات ترمب يتمحور حول سرعة التنفيذ، والانحياز التام للنتائج الفورية، ما يجعله ينأى عن التمحيص في التداعيات بعيدة المدى، فبقدر ما يميل إلى توظيف مفهوم "الضربة القاضية" في تحركاته، تجده يفتقر إلى النزعة التأملية التي تطبع الزعماء الاستراتيجيين.

ومما يعزز هذا الاتجاه، تبنّيه نهجًا براجماتيًا صرفًا، يتجاهل التفاعلات الأيديولوجية ويتعامل مع السياسة باعتبارها سوقًا للتفاوض، حيث تغدو العقود والاتفاقيات أدوات للتمكين الشخصي لا وسائل لترسيخ النظام العالمي أو تحقيق التوازنات الدولية، لذلك، فإن تفضيله عقد الاتفاقات الثنائية على حساب الترتيبات متعددة الأطراف يعكس ميله الفطري إلى هندسة المشهد السياسي وفق منطق الرابح والخاسر، لا وفق فلسفة الشراكة والتكامل، وفقًا لما قاله لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

الاستفزاز الإعلامي ومبدأ الإثارة

وفي سياق تعاطيه مع الإعلام، استطرد المبيضين قائلًا إنه تتبدى بوضوح نزعة ترمب إلى مخاطبة قاعدته الجماهيرية بأسلوب مباشر يخلو من أي تكلف دبلوماسي، حيث يعتمد في بناء خطابه على تبسيط المفاهيم إلى حدودها الدنيا، متجاوزًا بذلك تعقيدات اللغة السياسية التقليدية، فمن خلال استقراء توجهاته، يظهر جليًا أنه يستثمر في الاستقطاب السياسي، متعمدًا تأجيج المشاعر الشعبية عبر مهاجمة النخب السياسية، والاقتصادية، والإعلامية، وإذكاء سردية المؤامرة التي تصور أنصاره كضحايا لمؤسسات الدولة العميقة، مضيفًا أن قراراته المثيرة للجدل تُجسد هذه النزعة بجلاء، ومن ذلك إقدامه مؤخرًا على إزالة كميات هائلة من البيانات المتعلقة بأزمة المناخ والصحة والتطعيمات من المواقع الحكومية الرسمية، ما أحدث إرباكًا غير مسبوق في الأوساط العلمية والأكاديمية وحتى داخل الدوائر السياسية المعنية.

ولفت الانتباه إلى أن أكثر ما يميز ترمب هو براغماتيته المطلقة التي تجعله عرضة لتحولات مفاجئة في مواقفه حالما لاحت له مكاسب آنية أفضل، فهذا الرجل، الذي يحترف اللعب على أوتار الإثارة الإعلامية، لا يتردد في استفزاز الخصوم، متعمدًا انتقاء عناوين صادمة تتجاوز حدود الواقعية أحيانًا، لكن لا لشيء سوى لضمان تصدّره واجهة الأخبار العالمية، مع ما يضاف إلى ذلك نهجه القائم على تقويض الأعراف البروتوكولية المعتادة في العمل السياسي، إذ يميل إلى تحويل أي حدث إلى سردية تآمرية، موظفًا التشكيك كأداة لخدمة أجنداته وتعزيز موقعه التفاوضي.

السياسة الخارجية حلبة مساومة

أما في مجال السياسة الخارجية، ذكر المبيضين أنه ينظر إليها بمنطق الغلبة والاستحواذ، لا بمنطق التوازن الاستراتيجي، حيث يعمد إلى تفكيك مفهوم الدبلوماسية التقليدية لصالح نهج قائم على انتزاع المكاسب المباشرة دون اكتراث بالانعكاسات طويلة الأجل، لذا، تندرج قراراته ضمن مقاربة مصلحية أحادية الزاوية، تسعى إلى فرض أمر واقع يحقق له نفوذًا شخصيًا، حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية الأمريكية ذاتها، فيما يحتكم في علاقاته مع القادة الدوليين، إلى معيار الولاء الشخصي أكثر مما يحتكم إلى اعتبارات الأمن القومي أو التوازنات الدولية، وهو ما يفسر حالة الاضطراب التي طالت علاقات واشنطن مع العديد من حلفائها التقليديين خلال فترته الرئاسية.

التفاوض في ظل الفوضى

وبالنظر إلى هذه التركيبة، فإن التعامل مع ترمب سياسيًا أو تفاوضيًا يستدعي استراتيجيات محددة، تقوم على تكييف أسلوب الحوار معه بما يتناسب مع منظوره للسلطة والقرار، ومن هذا المنطلق، فإن محاولة إقناعه بموقف معين تتطلب التركيز على المكاسب العاجلة، مع تجنب الخوض في التعقيدات الاستراتيجية أو الخلفيات الأيديولوجية، حيث ينبغي تصوير أي حل مطروح أمامه على أنه انتصار شخصي له، حتى وإن كان في جوهره لا يتعدى كونه مكسبًا رمزيًا، كما قال لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

صنع الانتصارات الوهمية

وأردف المبيضين أن ترمب يميل إلى اتخاذ القرارات بناءً على الانطباعات المباشرة، فإن اختزال الرسائل الموجهة إليه، والابتعاد عن الإسهاب والمقدمات الطويلة، يُعدّ أمرًا جوهريًا في أي مسار تفاوضي معه، كما أن هوسه بالفوز يجعله قابلًا لإعادة تدوير أي اتفاق على أنه "إنجاز تاريخي"، الأمر الذي يتيح للمفاوضين إمكانية تقديم تنازلات شكلية، تُسوّق لاحقًا باعتبارها انتصارات محققة له، مما يسهل تمرير التفاهمات المطلوبة.

سرديات انتقائية لترويض الخصوم

ولأن ترمب يحترم المفاوض الذي يُظهر قدرًا من الحزم، فإن التعامل معه يستوجب إبداء صلابة واضحة، مع الحرص على جعله يشعر بأنه الطرف المنتصر، ولو من خلال التلاعب بالسرديات الإعلامية، فأي محاولة لإجباره على الاعتراف بخسارة أو التراجع عن موقفه من شأنها أن تخلق حالة من العناد المتصلب لديه، ما يعقد مسار التفاوض بدلًا من تسهيله، ولذلك، فإن تبني نهج يُتيح له حفظ ماء الوجه، حتى في حال تقديم تنازلات جوهرية، يُعدّ المدخل الأكثر نجاعة في إدارة أي تفاهمات معه.

وأضاف المبيضين أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن ترمب مهووس بالإعلام، الأمر الذي يجعل من تصويره كصاحب إنجازات أو كزعيم فريد في المشهد السياسي عنصرًا أساسيًا في التأثير عليه، فإقناعه بأنه يحقق نجاحًا غير مسبوق يمنحه إحساسًا بالسيطرة، ما يسهل عملية دفعه نحو خيارات محددة دون أن يشعر بأنه تم استدراجه أو الضغط عليه، كما أن الإيحاء بوجود بدائل أخرى يمكن اللجوء إليها حال فشل التفاوض معه، يُشكل أداة ضغط فعالة لدفعه إلى اتخاذ قرارات أكثر مرونة.

تقلبات القرار

وأكد ضرورة عدم التعامل مع مواقفه باعتبارها نهائية أو ثابتة، إذ إن تقلباته المزاجية تجعله ميالًا لتغيير توجهاته متى ما بدا له أن هناك مكسبًا أفضل، فحتى أكثر مواقفه صلابة قد تتبدل وفقًا للظروف، ما يجعل من الضروري تبني نهج تفاوضي ديناميكي قادر على استيعاب هذه التغيرات.