
رسائل اللقاء المرتقب بين الملك وترامب... الروسان يوضح لـ"أخبار الأردن"
قال الخبير العسكري، العميد الركن المتقاعد أيمن الروسان إن لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني المرتقب مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، يأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتزايد الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية لدفع نحو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر، تحت ذريعة انعدام المقومات الحياتية في القطاع جراء العدوان الإسرائيلي الوحشي.
غير أن هذا الطرح، الذي يتماهى مع مشروع إعادة تشكيل الجغرافيا الديموغرافية للمنطقة، قوبل برفض صارم من كل من عمان والقاهرة، الأمر الذي ألقى بظلاله على طبيعة العلاقات مع واشنطن، وحرّك ديناميكيات العمل العربي المشترك، حيث بادر وزراء الخارجية العرب إلى عقد اجتماع سداسي في القاهرة، أكدوا فيه موقفًا عربيًا موحدًا، يرتكز على دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، والتشبث بحقوقه غير القابلة للتصرف وفق مقتضيات الشرعية الدولية، ورفض أي مقاربة تسعى إلى إعادة إنتاج نكبة جديدة تحت مسمى الحلول المؤقتة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
الأردن والقضية الفلسطينية: دور أصيل لا يقبل المزايدة
وبيّن الروسان أن الدور الأردني في القضية الفلسطينية لم يكن يومًا نتاج ظرف سياسي عابر، فهو امتداد لجذور تاريخية راسخة، تجلّت في مواقف الأردن الثابتة منذ تأسيس الدولة، فالمملكة، التي دفعت أثمانًا باهظة دفاعًا عن الحق الفلسطيني، لا تقبل بأي حال من الأحوال أن تُختزل هذه القضية في معادلات جيوسياسية آنية أو أن تكون ورقة تفاوضية تُساوَم عليها، مضيفًا أن الموقف الأردني جاء رافضًا بلا مواربة لأي مشاريع تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، أو الالتفاف على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، الأمر الذي انعكس في لاءات جلالة الملك الثلاث: لا للتوطين، لا للوطن البديل، القدس خط أحمر، وهي لاءات تعبر عن نهج استراتيجي يعكس رؤية الأردن الراسخة تجاه القضية المركزية للأمة.
ولفت الانتباه إلى أن العلاقات الأردنية - الأميركية تستند إلى مرتكزات استراتيجية، تأسست عبر عقود طويلة من التعاون الوثيق في المجالات الأمنية والاستخباراتية، لا سيما في إطار مكافحة الإرهاب، كما أن موقع الأردن الجيوسياسي يمنحه ثقلًا استثنائيًا في المعادلة الإقليمية، إذ يجاور العراق الذي لا يزال يعاني تداعيات اضطراباته المستمرة، وسوريا التي تمر بمرحلة إعادة تشكّل سياسي عقب تغيير منظومة حكمها السابقة، في حين يمتلك أطول حدود مع إسرائيل، ما جعله في موقع المواجهة المباشرة مع كافة التحولات التي شهدتها المنطقة، ورغم محدودية موارده، اضطلع الأردن بمسؤولياته الأخلاقية والإنسانية، فاستقبل موجات اللاجئين المتعاقبة، وحافظ على استقراره الداخلي في ظل عواصف إقليمية كادت تعصف بكيانات سياسية عديدة.
وأكد الروسان عدم انخراط الأردن في تحالفات لم تتوافق مع مبادئه، إذ رفض المشاركة في الغزو الأميركي للعراق، وعارض بشدة محاولات فرض الأمر الواقع في القدس، ورفض "صفقة القرن" التي سعت إلى إعادة هندسة القضية الفلسطينية على مقاسات القوى العظمى، كما لم ينخرط في مسار "اتفاقيات أبراهام"، إدراكًا منه لحقيقة الصراع وجذوره العميقة.
وسط هذه الظروف المتشابكة، يتجه جلالة الملك إلى واشنطن ليكون أول زعيم عربي يلتقي الرئيس الأميركي في ولايته الجديدة، وهو لقاء تتجاوز أهميته البعد الثنائي، ليحمل في طياته تداعيات إقليمية كبرى، إذ من المتوقع أن يستعرض جلالته، بكفاءته الدبلوماسية المعهودة، وجهة النظر الأردنية إزاء التهديدات المتفاقمة في المنطقة، وفي مقدمتها تبعات أي محاولة لفرض التهجير القسري على الفلسطينيين، ليس فقط باعتبارها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ولكن أيضًا بوصفها عاملًا مؤججًا للفوضى وعدم الاستقرار، سواء في الأردن أو في مصر، فضلًا عن كونها خطرًا وجوديًا على الهوية الوطنية الأردنية، وفقًا لما قاله لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأشار الروسان إلى أنه من غير المرجح أن تكون المساعدات الأميركية محورًا رئيسيًا في النقاش، إذ إن هذه المساعدات تأتي ضمن اتفاقية استراتيجية تستمر حتى عام 2029، ولا يمكن أن تُستخدم كأداة ضغط على القرار الأردني المستقل، غير أن اللقاء يحمل بعدًا أكثر تعقيدًا، في ظل تبنّي الرئيس الأميركي لمواقف منحازة تمامًا للرؤية الإسرائيلية، التي باتت تتعامل مع سياسة الإبادة بحق الفلسطينيين باعتبارها استراتيجية "حسم"، انتقلت من كونها طرحًا يمينيًا متطرفًا إلى نهج معتمد لدى الدولة العبرية.
الأردن وسياسة التوازنات: الدولة العميقة والمؤسسات مقابل نهج الأفراد
ونوّه إلى أن الأردن - وعلى الرغم من الاتجاهات السياسية المتغيرة في البيت الأبيض – يدرك بحكم خبرته الطويلة في إدارة العلاقات الدولية أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات تخضع لاعتبارات الحوكمة العميقة، وعليه، يتعامل الأردن مع واشنطن ككيان استراتيجي، لا كشخصية سياسية عابرة، وهو ما يمنحه مساحة أوسع للمناورة الدبلوماسية، بعيدًا عن التقلبات الأيديولوجية للرؤساء الأميركيين.
واستطرد قائلًا إنه بفضل قيادة جلالة الملك الحكيمة، يتمتع الأردن بعقلانية سياسية ودبلوماسية قوة، تتيح له توسيع دوائر تحركه على المستويين السياسي والدبلوماسي، وتوظيف شبكة علاقاته الإقليمية والدولية لتوضيح خطورة قرارات التهجير وتداعياتها الكارثية على الأمن الإقليمي، لا سيما بالنظر إلى أن المتضررين المباشرين من هذه السياسات هم دولتان حليفتان للولايات المتحدة، تربطهما اتفاقيات سلام طويلة الأمد مع إسرائيل.
وأوضح أن الأردن يدخل هذا اللقاء الحاسم بصفته شريكًا دوليًا مسؤولًا، وليس طرفًا تابعًا يُملى عليه، مستندًا إلى موقفه المبدئي الرافض لأي حلول تتناقض مع جوهر العدالة الدولية، ومتسلحًا بثوابته الوطنية التي لم تتزحزح رغم تغير المعادلات، مشيرًا إلى أن الأردن يواصل أداء دوره المحوري، كفاعل رئيسي في صياغة المشهد الإقليمي، رافضًا أن يكون التهجير القسري حلًا يُفرض تحت وطأة الضغوط السياسية، ومدافعًا عن حقوق الشعب الفلسطيني، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن الأمن والاستقرار لا يتحققان إلا بالعدل، لا بالقوة.