غسان سلامة: 20 دولة قادرة على التحول للنووي خلال عام

 

مع انقضاء الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، تتزايد التساؤلات حول اتجاهات النظام العالمي في ظل حالة من عدم اليقين المتصاعدة، والتغيرات السريعة تُسقط القناعات الراسخة، بينما يؤدي تداخل المؤثرات وصعوبة فصلها إلى تعقيد تقييم الأوزان التأثيرية لكل منها.

ولإلقاء الضوء على هذه التحديات، أجرت صحيفة الشرق الأوسط حواراً مع البروفسور غسان سلامة، المؤلف والخبير في العلاقات الدولية والمبعوث الأممي السابق، الذي صدر له مؤخراً كتاب بعنوان "إغراء النزوع إلى القوة - الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين".

وتحدث سلامة عن تحولات النظام العالمي وأبرز تحدياته، بدءاً من الصراعات الكبرى وصولاً إلى مستقبل الاقتصاد العالمي وتأثير الذكاء الاصطناعي. كما استعرض التحديات الأمنية، والتنافس بين القوى العظمى، والفرص الجديدة لظهور قوى نووية.

عودة الأحلام الإمبراطورية

عند سؤاله عن التحولات في النظام العالمي خلال العقود الماضية، أوضح سلامة أن العالم شهد فترة من الاستقرار النسبي بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث تراجعت النفقات العسكرية وانخفضت أعداد الرؤوس النووية. إلا أن هذا الاتجاه انعكس مع الغزو الأميركي للعراق عام 2003، الذي وصفه بأنه حدث مفصلي لم يُبنَ على أسس قانونية وأدى إلى إضعاف شرعية النظام الدولي الذي أسسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

وأشار إلى أن هذا الانقلاب فتح المجال أمام دول كبرى مثل روسيا لاستخدام القوة بشكل مباشر، بدءاً من تدخلها في جورجيا وأوكرانيا، وانتهاءً بتعزيز ترسانتها النووية.

وأكد أن هناك 20 دولة قادرة على التحول إلى قوى نووية خلال عام واحد، وأن هذا الاتجاه قد يتسارع مستقبلاً، مع تزايد ميزانيات الدفاع عالمياً.

التكتلات الدولية: الأطلسي والبريكس

تطرق سلامة إلى غياب التوازن بين التكتلات الدولية، حيث يبرز حلف شمال الأطلسي (الناتو) كأقوى تحالف عسكري في العالم، بينما لا تزال تجمعات مثل "البريكس" ومنظمة شنغهاي في مراحلها الأولى، متأثرة بتناقضات داخلية بين أعضائها.

وأشار إلى أن التماسك الذي يتمتع به الناتو يستند إلى تشابه الأنظمة السياسية والاقتصادية لأعضائه، وهو ما يفتقر إليه "البريكس"، حيث تختلف الأنظمة السياسية من الديمقراطية في الهند وجنوب أفريقيا إلى الحزب الواحد في الصين.

الثنائية القطبية: الصين والولايات المتحدة

فيما يتعلق بالتنافس الأميركي-الصيني، يرى سلامة أن الثنائية القطبية لم تتبلور بعد بشكل كامل، على الرغم من أن الولايات المتحدة بدأت منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في السعي لتأسيس هذا النظام، معتبرة الصين المنافس الاستراتيجي الأول لها.

وأوضح أن هذا المشروع يواجه مقاومة من دول كبرى مثل روسيا والهند، التي تفضل الحفاظ على استقلاليتها السياسية والدبلوماسية بعيداً عن نظام قطبين.

وأضاف أن التوترات الإقليمية للصين مع جيرانها، مثل الهند وكوريا الجنوبية، إضافة إلى أولويات أميركا المتغيرة بين الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، تجعل من الصعب تحقيق ثنائية قطبية مستقرة.

الأوبئة والتحديات الصحية العالمية

تناول سلامة تأثير الأوبئة العابرة للحدود على العالم، مشيراً إلى أن ما يميز الأوبئة الحديثة هو سرعة انتشارها بسبب التنقل العالمي الكثيف.

وأكد على أهمية التعاون الدولي للتصدي للتحديات الصحية، مع ضرورة معالجة الفجوات الكبيرة بين الدول في الاستجابة للأوبئة، سواء من حيث توافر اللقاحات أو الأنظمة الصحية.

وأوضح أن اللامساواة في الوصول إلى الرعاية الصحية العالمية كانت فاقعة خلال جائحة كوفيد-19، حيث امتلكت الدول الغنية موارد ضخمة لمواجهة الأزمة، بينما عانت الدول الفقيرة من نقص كبير في الموارد.

الهزات التكتونية في العالم العربي

حول الأوضاع في العالم العربي، قال سلامة إن المنطقة تعاني من عوامل هيكلية تمنع الاستقرار، منها الفجوة الكبيرة بين الدول الغنية والفقيرة، والانفجار السكاني، والتحولات السكانية من الريف إلى المدن.

وأشار إلى أن هذه التحديات تُضاف إليها عوامل سياسية مثل غياب دولة القانون، والبطش السياسي، والنزاعات الطائفية.

وأكد على أهمية وجود قيادات قادرة على مواجهة هذه التحديات الاجتماعية والاقتصادية، مشدداً على أن غياب التوازن بين الدول العربية يُعد أحد أكبر التحديات التي تواجه المنطقة.

الهجرات والتغيرات الديموغرافية

فيما يتعلق بتزايد حركية السكان والهجرات العالمية، أشار سلامة إلى أن عدم التوازن الديموغرافي بين القارات يُعد المحرك الأساسي لهذه الظاهرة.

وشدد على ضرورة أن تعالج الدول الجاذبة للمهاجرين هذه المسألة من خلال سياسات مستدامة تراعي الحقوق الإنسانية، إلى جانب وضع استراتيجيات لدمج المهاجرين في المجتمعات المضيفة.