نذهب إلى "سوريا الجديدة " أم لا؟
حسين الرواشدة
كيف نتعامل، أردنيا، مع سوريا الجديدة ، نذهب إلى دمشق أم نتمهل؟ الأسئلة يمكن أن تكون "سورياً" معكوسة أيضا ، لا فرق ، بعد عام 2011 نجحنا بتقديم مقاربات على قاعدة "الحياد الإيجابي"، التدخل الأردني كان في حدود المصالح العليا للدولة وحماية أمننا الوطني، الآن اختلفت الصورة ، نحن أمام تنظيمات مسلحة لم تتحول بعد إلى دولة ، صحيح لدينا خبرة طويلة في التعامل معها، لكن ما جرى داخلها من تحولات ، وفي البيئة السياسية المحيطة بها ، يحتاج إلى فهم أكثر ، ومقاربات مختلفة.
بحكم الجغرافيا على الأقل ، ناهيك عن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية ،لا يمكن أن يسقط الأردن من اعتباره ضرورة الاشتباك مع الملف السوري ، مهما كان اللاعبون فيه ؛ تنشيط الدور الأردني في سوريا ضرورة تقتضيها مصالح الطرفين معا ، السؤال المهم : كيف نستطيع تحقيق التوازن بين الانخراط الإيجابي وبين استحقاقات التحولات داخل سوريا، والأطراف التي تتصارع عليها ؟ بمعنى آخر : كيف يمكن للأردن أن يكون جزءاً من الحل وشريكاً فيه ، دون أن يصبح طرفا في النزاع ، أو محسوبا على جهة ضد أخرى؟
لم تتضح بعد خرائط سوريا السياسية ، الأيام القادمة ،ربما، تُفصح عن بعض الملامح والخطوط ، لا شك الوضع القائم يحظى بوصايات متعددة ، إقليمية ودولية ، الأغلب أن دورها سيكون متفاوتا ومتقلبا من حيث القوة والحجم والتناوب، وربما تختلف فيما بينها ، التنظيمات التي سيطرت على الحكم ،وأسقطت النظام ، لا تستطيع أن تعبر مرحلة التنظيم إلى مرحلة الدولة إلا بمساعدة أصدقاء، هنا نحتاج إلى عام ، على الأقل ، بعد ذلك ستبدأ مرحلة تشكل النظام الجديد ، هذا ما يمكن أن يحدث في أحسن الأحوال ، لكن احتمالات الفوضى والمفاصلة بين التنظيمات ، بين المكونات ، كل ذلك وارد وبقوة، سوريا الجديدة أمام فرصتين : الانتقال المتدرج والآمن إلى دولة لكل السوريين ، أو الفوضى والتقسيم والعودة إلى حكم الاستبداد.
إستراتيجيا، يبدو خيار أن نذهب إلى سوريا محسوما بنعم من حيث المبدأ ، لأننا لا يمكن أن نتفرج على المشهد او نتعامل معه كشهود فقط ، لكن هذا الحسم سيكون، بتقديري، وفق عملية مستمرة من التقييم، وأعاده التقييم، أقصد أنه سيكون محسوبا بدقة، ليس ،فقط، مع الأطراف السورية بمختلف أشكالها وجغرافيتها ، وإنما مع اللاعبين الذين أداروا الملف ، والآخرين الذين يمكن أن يتسللوا إليه لاحقا.
في موازاة ذلك ، كيف يتكيف الأردن داخليا مع ارتدادات الزلزال السوري ، هل سنحتاج إلى استدارات جديدة فيما يتعلق بحصانة الجبهة الداخلية، مسار التحديث السياسي ، ملفات مواجهة التطرف ، الأوضاع الاقتصادية، وبكل ما يترتب من ضرورات لتحسين المزاج العام ؟ أعتقد أننا أمام فرصة / ضرورة لرفع حالة المناعة الوطنية ، من خلال العمل بجدية للخروج من هوة انحسار الثقة بين الأردنيين وإداراتهم العامة ، والانتقال بشكل جذري إلى مرحلة اليقين السياسي تجاه كل ملفاتنا المعلقة.
بصيغة أخرى ، لابد من إعلان " النفير الوطني" لمواجهة تحديات الأيام القادمة ، لابد من التعامل بحزم -وفق القانون- مع من يحاول زعزعة أمننا، أو الاستقواء على مؤسساتنا ، أو التعامل مع الدولة بمنطق الندية ، لا وقت يسمح للتهاون مع أي جهة تحاول (اثر ما جرى في سوريا ) أن تفرد عضلاتها لتخويف الأردنيين، أو وضعهم في مرمى نيران تقمصات وانتصارات سياسية مغشوشة .