الحلالمة لـ"أخبار الأردن": الأردن يدير خياراته وفقًا لاستراتيجية التدرج

خاص 

قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور الحارث الحلالمة إن الأردن يدرك بعمق التحولات المعقدة في المشهد السياسي الإقليمي والدولي، ويعي خياراته الاستراتيجية بوضوح في التعامل معها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الأردن، بتجربته الدبلوماسية الواسعة، يفضّل اتباع سياسة التدرج والحلول السلمية، مرتكزًا على استنفاد جميع الخيارات الدبلوماسية قبل أي توجه نحو التصعيد، الأمر الذي يمنح الأردن موقفًا ثابتًا ومدعومًا بقوة القانون الدولي، بما يعزز دوره السياسي، خصوصًا فيما يتصل بقضاياه الحيوية والمصيرية.


كشف الأجندات التوسعية لليمين الإسرائيلي المتطرف

من بين الدول العربية، أكد الحلالمة أن الأردن كان سبّاقًا في كشف الأجندات التوسعية لليمين الإسرائيلي المتطرف، الرامية إلى تقويض حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وقد تنبّه الأردن إلى نوايا إسرائيل في جعل الضفة الغربية بيئة طاردة وخانقة للفلسطينيين عبر مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات، فضلًا عن التضييق على حياة الفلسطينيين اليومية، بغية دفعهم للهجرة نحو الأردن، وهو ما أدركت خطورته القيادة الأردنية، ما دفع الأردن إلى رفع الصوت عاليًا ضد هذه السياسات من خلال جلالة الملك ومنابر الدبلوماسية الأردنية أمام المجتمع الدولي، وعبر منصات الأمم المتحدة، وفي عواصم الدول المؤثرة.

وأشار الحلالمة إلى أن الأردن سلّط الضوء على المساعي الإسرائيلية الخبيثة التي تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة، وخصوصًا محاولاتها المستمرة لاستفزاز إيران والانتهاك المتكرر لسيادات دول عربية، الأمر الذي دفع المنطقة نحو حالة من التوتر الشديد، وجعلها عُرضةً لاشتعال نزاع إقليمي واسع النطاق، وقد حذّر الأردن بشكل مستمر من خطر الانزلاق نحو حرب إقليمية لا رابح فيها إلا قلة متطرفة داخل الحكومة الإسرائيلية، التي لا تضع في اعتبارها سوى تعزيز الهيمنة بالقوة.

أدوات الأردن الدبلوماسية لكبح التصعيد في المنطقة

ومن خلال نهج متزن ومعتدل، ذكر أن الأردن تمسك بحلٍ عادل وشامل للقضية الفلسطينية، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، مشددًا على موقفه الرافض لاستغلال الأردن كمنصة لصراعات إقليمية، وأنه لن يسمح باستخدام أراضيه أو أجوائه لأي عدوان على دول الجوار، وأنه ملتزم بحماية شعبه وأمنه الوطني، ومستعد لاستخدام كافة الأدوات المتاحة لحفظ سيادة المملكة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

إضافةً إلى دبلوماسيته المتزنة، قال الحلالمة إن الأردن يمتلك أوراقًا متعددة للتأثير في المشهد الدولي، بما في ذلك اقتراحه لحلول عملية تسهم في استقرار المنطقة، وتأكيده على أن النهج الأمني وحده لن يحقق السلام لإسرائيل، بل لا بد من الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني على أرضه، وقد أوجد الأردن لنفسه مساحة من التأييد الدولي، حيث بدأت العديد من الدول تتبنى رؤيته وتقر بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.

حفاظ الأردن على مصالحه وسط العواصف الجيوسياسية

وفي هذا السياق، قدّم الأردن مؤخرًا مشاريع قرارات في الأمم المتحدة لدعم حقوق الفلسطينيين، مثل مشروع وقف إطلاق النار في غزة، ونجاحه في لفت انتباه المجتمع الدولي إلى المأساة الإنسانية التي يعاني منها الفلسطينيون، كما بادر الأردن بدعم المرافعات القانونية لجنوب إفريقيا في الدعوى المقدمة ضد إسرائيل، مسلطاً الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية، ما عزز موقفه كداعم قوي للحق الفلسطيني.

وكنوع من الضغط على إسرائيل، لفت الحلالمة الانتباه إلى أن الأردن كان قد لمّح بإمكانية مراجعة معاهدة السلام، وهو أمر مثير لقلق القيادة الإسرائيلية، وقد عبر وزير الخارجية عن ذلك بقوله إن المعاهدة باتت على "الرف يعلوها التراب"، وهو تصريح يعكس عدم رضا الأردن عن السياسات الإسرائيلية، ويشير إلى أن الخيارات الأردنية مفتوحة بما في ذلك وقف العمل باتفاقيات الغاز والمياه وأي تعاون اقتصادي يمس الاحتلال.

 

فهم خيارات الأردن في خضم التحولات الإقليمية

كما يتابع الأردن بدقة نتائج الانتخابات الأمريكية، مدركًا أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط قد تتأثر بشكل كبير بنتائجها، ومع التخوف من عودة نهج الإدارة السابقة في الانحياز المطلق لإسرائيل، كما حدث في "صفقة القرن" ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فإن الأردن قد يعيد النظر في علاقاته مع واشنطن ويبحث في بناء تحالفات استراتيجية جديدة خارج إطار الحليف الأمريكي التقليدي، هذا التحول المحتمل قد يشكل ضغطًا على المصالح الأمريكية في المنطقة، كما يعزز من أوراق القوة التي يمتلكها الأردن في حماية حدوده ومصالحه القومية ودعمه لحقوق الفلسطينيين.

وفيما يتعلق بالصراعات الدولية الأخرى، مثل النزاع الروسي-الأوكراني، فقد قال الحلالمة إن الأردن يرفض الانخراط في هذا النزاع ويشدد على ضرورة حله بالطرق السلمية بعيدًا عن العنف، كما يؤكد الأردن دعمه لاستقرار السودان وحرصه على وحدة وسلامة أراضيه، في إشارة إلى موقفه المبدئي الرافض لأي تدهور في أمن واستقرار الدول العربية.

صناعة التحالفات الذكية: استراتيجيات الأردن في مواجهة المتغيرات الدولية

وأوضح أن سياسة الأردن تمتاز بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات الدولية، فقد نجح منذ نشأته في تخطي أزمات كبرى كادت أن تهدد أمنه واستقراره، عبر تبني حلول متوازنة، فهو من جهة يلتزم بالحلول السياسية للصراعات، ومن جهة أخرى يظهر استعداده العسكري من خلال التدريبات التي تحاكي التهديدات الإقليمية، وبتفعيل خدمة العلم، يرسل الأردن رسالة واضحة تعكس جهوزيته لأي طارئ، معلنًا للعالم أنه يمتلك القدرة على حماية مصالحه الاستراتيجية وفرض سيادته في مواجهة أي تهديد.