لماذا كان الرد الإسرائيلي على إيران باهتاً؟

  رجا طلب

الجواب النمطي والمعلب والجاهز للإجابة على هذا السؤال هو أن ما جرى ويجرى بين إيران وإسرائيل هو مجرد "فيلم هندي" مثلما يحلو للبعض وصفه، فنظرية المؤامرة في هذا الملف هي المسيطرة وهي العنوان، ونظرية المؤامرة هنا تقول ما يلي (إن إيران وإسرائيل ليس بينهما أي عداء استراتيجي عميق وأن ما جرى منذ اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران  قبل شهرين إلى الضربة الإسرائيلية التي تمت فجر السبت الماضي لإيران في السادس والعشرين من أكتوبر الجاري وما بين الواقعتين كله لا يعدو أن يكون مجرد ذر للرماد في العيون  وعداء متفق عليه) .

في نظرية المؤامرة المشار إليها يوجد الكثير من "المنطق" ولكن القليل جداً من الحقائق (ليس كل شيء منطقي هو بالضرورة حقيقة)، فإيران تنظر لإسرائيل على أنها عدو استراتيجي من الناحيتين العقائدية ومن الناحية التنافسية جيوسياسي (النفوذ والهيمنة) وهذا العامل الأخير هو العامل المسيطر عملياً على سلوك الطرفين مع بعضهما البعض،  وهناك محطات تاريخية في العلاقات تراجع فيها منسوب العداء بدرجات كبيرة من أجل مصالح مشتركة تكتيكية (قصف مفاعل تموز النووي العراق عام 1981) حيث أكد لي وزير  خليجي كبير ومهم  قبل عقد من الزمن أن إيران  هي من زودت إسرائيل بملف هذا المفاعل كاملاً والذي كان  موجوداً  لدي المخابرات العسكرية الإيرانية زمن الشاه .

ذلك التعاون فرضته ظروف العداء المشتركة لدولة مثل

العراق تريد أن تتسلح بسلاح نووي، لكن واقع الأمور والحقائق اليوم يؤكد أن نتنياهو يأخذ "إسرائيل" إلى مرحلة متقدمة من "التوحش" والرغبة في "التسيّد" وفرض الهيمنة على الإقليم سياسياُ واقتصادياً وأمنياً ووفقاً للرؤية التوراتية ومن هنا جاءت نقطة الصدام الاستراتيجي بين الطرفين والتي بدأت تأخذ مداها بعد عام 2009 أي بعدما تسلم نتنياهو حكومته الثانية واعتبر إيران ومشروعها النووي "الخطر الاستراتيجي" الذي يهدد أمن دولة الاحتلال وإن لا مجال لأي تسوية بهذا الأمر إلا بحل من اثنين إما إنهاء هذا المشروع  سلمياً أو ضربه عسكرياً.

لقد كان "طوفان الأقصى" بمثابة فتيل البارود الذي قرب بشكل كبير من حالة المواجهة بين الطرفين وإن كانت في البداية عبر حزب الله والحرب على شمالي فلسطين المحتلة ثم تحولت لحالة صدام مباشر عبر القصف والاغتيالات والصواريخ.

الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران قيدت بمجموعة من القيود الأمريكية سواءً أكانت أهدافاً أو توقيتاً، فمن حيث الأهداف جرى فرض ما يلي:

•    منع ضرب المنشآت النووية (11 منشاة في ايران).

•    منع قصف آبار البترول أو محطات تكريره (لكي لا يؤثر على سعر البرميل في السوق العالمي).

أما من حيث التوقيت فقد تمت الضربة لتراعي ما يلي:

•    أن تكون يوم السبت حيث تكون أسواق المال والبورصة في أمريكا والعالم مغلقة لكي لا تتأثر بذلك.

•    أن تأتي الضربة في هذا الوقت وأن لا تقترب أكثر من موعد الانتخابات الأمريكية في الخامس من نوفمبر القادم لما سيتسبب في تعكير الجو العام للانتخابات.

هذا التفاهم الذي جرى بين إيران وإسرائيل عبر واشنطن وبواسطة قطرية – عمانية يؤكد أن المصالح هي من تحكم سلوك الدول تجاه بعضها البعض بالدرجة الأولى وليس أي شيء آخر، وهذا يعني أن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب في الأساس هي علاقة تبعية و ليست ندية فهناك تفاهم كبير في برمجة القرارات الناتجة عن هذه العلاقة ومنها أن واشنطن  هي التي تقرر في معظم ما يتعلق بسياسات إسرائيل الخارجية وبخاصة ما يتعلق بالدفاع والأمن القومي  أما ما يخص الشؤون الداخلية فهذه تحكمها المعادلة السياسية داخل دولة الاحتلال، ولذلك نقول أن ما جرى ويجرى في غزة أو في لبنان من قبل إسرائيل هو ضمن دائرة "القبول والتقبل" الأمريكية وإلا لما كان أصلاً، وفيما يخص إيران فواشنطن ليست في وارد التورط في حرب إقليمية بسبب جنون نتنياهو وهي مازالت متورطة في حرب أخرى في أوروبا وأقصد الحرب في أوكرانيا.