لا ممولين ولا تمويلات

ماهر أبو طير 

كل التقارير الدولية تتحدث عن إعادة الإعمار، في المنطقة، والأرقام التي يتم تناولها كبيرة جدا، ولا أعتقد أن هناك ممولا جاهزا، ولا حزمة ممولين لأن أرقام إعادة الإعمار لا يقدر عليها أحد.

قطاع غزة بحاجة إلى 80 سنة لإعادة الإعمار، والبيوت المهدومة كليا تصل نسبتها إلى 60 بالمائة في القطاع، والبيوت المهدومة جزئيا أو تمت خلخلتها بحيث ستسقط في أي لحظة تصل إلى 30 بالمائة، ولم يسلم فعليا سوى 10 بالمائة من بيوت القطاع، وكلفة إعادة الإعمار تصل إلى 80 مليار دولار هذا إذا توقفت الحرب، فيما أخطر ما في إعادة الإعمار إزالة ملايين الأطنان من الأنقاض، وإيجاد موقع لتجميعها، وما يعنيه ذلك من كلف مالية، ومع كل هذا خراب البنى التحتية من شبكات مياه ووقود وطرق وكهرباء واتصالات، وغير ذلك.

الآن يتم قصف لبنان، وتدمير القرى، والفيديوهات تكشف لك أمرا مريعا، فالبيوت تتعرض إلى ذات سيناريو غزة، قصف عشوائي في بيروت الجنوبية، أي العاصمة، وهذا يعني أن خراب العاصمة سوف يمتد إلى كل مواقعها، ولن يقف حكرا عند الضاحية الجنوبية، لأن هذه عاصمة تؤثر مناطقها على بعضها البعض، ويمتد التدمير إلى قرى الجنوب مرورا بكل المدن، صيدا وصور وغيرهما، وقد نسمع عن قصف وتدمير في الشمال، حيث طرابلس، وسنسمع كالعادة تقديرات لأرقام الخراب، وحاجة لبنان إلى إعادة الإعمار، بمليارات الدولارات التي لا نعرف من سيدفعها، ومقابل ماذا سيتم دفعها، ومن يتولى إعادة الإعمار، وهي ذات أسئلة غزة؟.

حرب تموز لبنان 2006 كانت كلفتها على لبنان أكثر من 7 مليارات دولار من إعادة الإعمار، للبيوت المقصوفة، وصولا إلى البنى التحتية في بيروت والجنوب، ولو عدنا إلى ملف لبنان بكل تفاصيله لوجدنا أرقاما مرعبة حول إعادة إعمار في حرب 1982، وما يرتبط بالاقتصاد

 وخسائره أيضا، وبما يعيدنا إلى كلف إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية في لبنان، وما يرتبط أيضا بتدمير اقتصادات السياحة والعقار والتعليم والعلاج وغير ذلك، وسنجد أنفسنا مجددا أمام ملف إعادة إعمار جديد يتعلق بلبنان إذا توقفت الحرب، خلال وقت قصير.

لنذهب إلى سورية، وهذا مجرد نموذج في المنطقة، حيث قال المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف في شهر كانون الأول 2021، إن تكلفة إعمار سورية، تقدر بنحو 800 مليار، وهناك أرقام أقل، وفقا للجهة التي تجري معايير إعادة الإعمار، حيث إن المؤكد أن الكلفة تصل إلى مئات المليارات في سورية، كون إعادة الإعمار تشمل أيضا الاقتصاد السوري الذي تم تدميره صناعيا وزراعيا وسياحيا، والقصة لا تقف عند حدود بناء شقة.

الأرقام هنا مهمة، ولا أحد يتفق على رقم نهائي في أي بلد، لكن المشترك بين كل الأرقام أنها مرعبة وكبيرة جدا، كما أن لا طرف في العالم سيدفع قرشا لأي بلد في سياق إعادة الإعمار إلا في سياق توظيف سياسي، والكل سيسأل كما أسلفت لمن سندفع، ومن سيدفع، ومن سيتولى إعادة الإعمار، ومقابل ماذا سنعمر هذه المنطقة أو تلك، ولماذا ندفع لغيرنا أصلا؟.

هذه الملفات الثلاث نموذج لما يجري في المنطقة في ظل تراجع اقتصادات العالم، وهذا يعني أن إيجاد ممولين قد يكون حلما لا يمكن تحقيقه، إلا من خلال الحصول على مبالغ عادية لتسجيل مواقف سياسية لصالح الدول بحق الشعوب المحتاجة، فيما الكلفة الأكبر تنزلت على شعوب هذه الدول، بما يعني أن الخراب مستدام، والحرب الإسرائيلية في كل مكان لم تكن مجرد قصف مؤقت، بل تعمدت إنهاء حياة الشعوب لعقود طويلة مقبلة، دون سؤال أو جواب.

العالم انسحب من ملفات المنطقة، من تمويل الأونروا وصولا إلى تمويل إعالة السوريين حيثما يتواجدون، والكل منشغل بنفسه، ولا أحد لديه وقت للعمل الإنساني والخيري.