الحرب المستحيلة بين إيران وإسرائيل

{title}
أخبار الأردن -

  الدكتور علي حياصات

تتزايد التقارير حول احتمالية اندلاع حرب عسكرية شاملة بين إيران وإسرائيل، لكن هذا الصراع يبدو مستحيلاً من منظور جيوستراتيجي وجيوسياسي، حيث تعكس موازين القوى الحالية في الشرق الأوسط تقاطع المصالح الاستراتيجية بين الطرفين، مما يعقّد إمكانية التوجه نحو حرب شاملة.
تاريخياً، أسست حروب البقاء كلاً من الجيشين الإيراني والإسرائيلي، وكلاهما اليوم يسعى لتحقيق ردع استراتيجي من خلال صراعات غير شاملة وغير متماثلة. على الصعيد الجيوسياسي، قد يؤدي نشوب حرب إلى إعادة تشكيل موازين الردع الاستراتيجي في المنطقة، ويعزز هذا الاحتمال تدخل قوى دولية كالأمريكيين وحلفائهم. لذا، سوف يسعى كلا الجانبين (خصوصاً إيران عملياً وليس نظرياً) إلى تجنب أي تداعيات غير محسوبة.
جغرافياً، تُعَد المسافات الفاصلة بين البلدين والتوازن العسكري المتقارب عائقين رئيسيين أمام وقوع صراع مسلح واسع النطاق. فعلى الرغم من القوة العسكرية لكلا الدولتين، إلا أن عقيدة الجيشين لم تُبنى على أساس وقوع حرب مباشرة. يسعى الجيش الإسرائيلي إلى حماية أراضيه التي احتلها من الدول العربية، بينما تركز إيران على حماية نظامها السياسي، حيث أسس النظام السياسي الإيراني حرساً ثورياً لحمايته بدلاً من جيش نظامي لحماية إيران كبلد ودولة.
سياسياً، تسعى إيران إلى الحفاظ على المكتسبات التي حققتها في العقدين الأخيرين، حيث امتد نفوذها ليشمل أربع عواصم عربية بشكل مباشر (بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء)، مما مكنها من أن تصبح قوة إقليمية يحسب لها حساب على المستوى الدولي. وبالتالي، فمن الصعب على القيادة الإيرانية التخلي عن هذه المكتسبات من خلال الصدام العسكري المباشر مع إسرائيل أو القوى الفاعلة التي تدعم إسرائيل من المجتمع الدولي، وما يحمله ذلك من خطر وجودي على نظامها السياسي. إسرائيل بدورها تريد الحفاظ على استراتيجية الردع مع إيران، شريطة أن تكون لها اليد الطولى في ذلك، إذ يتيح لها هذا الردع تحييد الدول العربية (وربما استقطابها) إلى جانبها توجساً وخوفاً من النوايا الإيرانية التوسعية في المنطقة.
موقف الدول العربية لا تٌحسد عليه في هذا الصراع، حيث يتسم بالتنوع والتعقيد والارتباك. وتختلف استراتيجيات الدول العربية بناءً على العلاقات الثنائية مع الدولتين والمصالح الوطنية لكل دولة على حدة. بعض الدول العربية تعارض نفوذ إيران وتعتبره تهديدًا للأمن الإقليمي، بينما تسعى دول أخرى إلى الحوار والتعاون في مواجهة التحديات المشتركة. هناك أيضًا قلق متزايد من تصاعد احتمالية امتلاك إيران سلاحًا نوويًا، مما يدفع بعض الدول العربية، في ظل عجزها عن مجاراة إيران، إلى تعزيز علاقاتها مع إسرائيل كوسيلة للردع. بشكل عام، سيبقى التوازن الحساس بين التعاون والخصومة هو السمة الأبرز في السياسة العربية تجاه الصراع بين إيران وإسرائيل.
في الختام، يمكن القول إن الحرب بين إيران وإسرائيل تبدو مستحيلة في ظل الظروف الراهنة، حيث يسعى كل طرف إلى الحفاظ على مكتسباته دون التصعيد نحو صراع شامل. فالصراع المستمر بالوكالة يعكس رغبة كلا الجانبين في تجنب تداعيات قد تؤدي إلى تغيير جذري في التوازن الإقليمي. ومع تعقيدات المشهد الجيوسياسي، يبقى التنافس بينهما قائمًا على من يستحوذ أكثر على الدول العربية في المنطقة، لكنه سوف يتخذ أشكالًا أخرى تضمن لهما تحقيق أهدافهما دون تجاوز الخطوط الحمراء فيما بينهما. في النهاية، يبقى الحوار والدبلوماسية بينهما الخيار الأرجح لتجنب الانزلاق إلى مواجهة غير محسوبة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير