التحالف الغادر

{title}
أخبار الأردن -

 

حسن البراري

كنت أعمل كبيرًا للباحثين في المعهد الأمريكي للسلام عام ٢٠٠٧ عندما التقيت بأكاديمي إيراني المولد وسويدي الجنسية لكنه مقيم في الولايات المتحدة ومؤسس للمجلس الوطني الإيراني الأمريكي، وهنا الحديث عن تريتا فارسي (بارسي). كان شابًا يصغرني بالسن ربما بخمس سنوات لكنه متقد الذكاء وطموح جدًا.

بعد نقاش على الغداء، أهداني نسخة من كتابه الذي كان صادراً للتو بعنوان "التحالف الغادر" الذي بدأت بقراءته على مدار يومين، وكان صادمًا ومفاجئًا لي في الكثير من تفاصيله. يتناول الكتاب العلاقات السرية بين إيران وأمريكا وإسرائيل في محطات حساسة من تاريخ الشرق الأوسط، وهنا الحديث عن إيران بعد الثورة، وهي الدولة التي وصفت الأولى بالشيطان الأكبر والثانية بالشيطان الأصغر.

على الرغم من تحقيقي من صحة المعلومات والصفقات - إذ كنت أعرف عنها الكثير - إلا أنني لم أقتنع حينها بالنتيجة التي استخلصها المؤلف لأنني قرأته بعين الناقد الذي يميز بين التحالفات التكتيكية (تشرتشل وستالين) والتحالف الاستراتيجي (تشرتشل وروزفلت) واعتبرت أن التحالفات التكتيكية لا تستبعد العداء الدفين والخلافات الكبيرة.

على أية حال، هذا ملخص لأبرز الأفكار: يتناول الكتاب التعاملات السرية بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، وهو بحث معمق للعلاقة المعقدة والمتناقضة في كثير من الأحيان بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. مركزًا على الديناميكيات الجيوسياسية والسياقات التاريخية التي شكلت التفاعلات بين هذه الدول الثلاث، مع التركيز على الدبلوماسية العامة والسرية.

يتتبع بارسي العلاقة منذ حقبة الحرب الباردة، مسلطًا الضوء على كيف كانت إيران وإسرائيل في البداية تمتلكان تحالفًا وثيقًا وسريًا مدفوعًا بمخاوف أمنية مشتركة. ويتناول الكتاب كيف تغيرت التحالفات بعد الثورة الإيرانية في عام 1979، حيث انتقلت إيران من حليف رئيسي للولايات المتحدة إلى عدو كبير. وعلى أثر ذلك أعادت إسرائيل والولايات المتحدة صياغة استراتيجياتهما، حيث رأتا في كثير من الأحيان أن إيران تمثل تهديدًا للاستقرار في الشرق الأوسط. لكن هذا لم يمنع إجراء مفاوضات سرية، فعلى الرغم من العداءات، كانت هناك لحظات من التعاون السري بين إيران وإسرائيل، خصوصًا خلال حرب العراق وإيران، عندما زودت إسرائيل إيران بالأسلحة بدعم أميركي (مثل قضية إيران كونترا).

ثم يعرج الكتاب على الموضوع النووي وكيف أدت الطموحات النووية الإيرانية إلى تصاعد النزاع، حيث ترى إسرائيل أن إيران النووية تمثل تهديدًا وجوديًا، بينما تتأرجح الولايات المتحدة بين الدبلوماسية واستراتيجيات الاحتواء.

طبعًا، هناك تفاصيل كثيرة في الكتاب لا يمكن الإشارة لها بهذه العجالة، لكن الكتاب يكشف حقيقة أن العداء المعلن لا يعني أن إيران دولة مغلقة مدفوعة بأجندات أيديولوجية مغلقة، وإنما إيران دولة منفتحة على الصفقات لدفع مصالحها القومية كما تراها، وفي سبيل ذلك يمكن لها استخدام ما تراه مناسبًا من حلفاء أو التخلي عنهم إذا لزم الأمر.

هناك محطات تعاون واضحة بين إيران والولايات المتحدة: التخلص من أعداء، مثل طالبان وصدام حسين. فهناك فتوى من خامنئي تفيد بأن لإيران أن تتحالف مع عدو للتخلص من عدو آخر. وهذا يقودنا للمسألة الأهم حاليًا، لماذا تمارس إيران الصبر الاستراتيجي الذي يفسر في تل أبيب بأنه تعبير عن ضعف؟ ما هي مصالح إيران الحقيقية بعيدًا عن الصراخ والخطاب؟ كيف تستفيد إيران من العداء لإسرائيل في تعزيز نفوذها في الإقليم؟ الغموض الذي اكتنف ممارسات إيران على وشك أن يزول في الأيام القليلة القادمة.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير