القدومي: عرفات مات مسموما وكان يضرب الطبيب.. وحاولنا إنقاذه بـ"ترياق" خالد مشعل

{title}
أخبار الأردن -

 

علاقة رئيس الدائرة السياسية في "منظمة التحرير الفلسطينية" فاروق القدومي (أبو اللطف) برئيس "المنظمة" ياسر عرفات (أبو عمار) قديمة ومتأرجحة، بين الصداقة خلال إقامتهما وشراكة تأسيس "فتح" بالقاهرة في الخمسينات و"الشرعنة" في الستينات، إلى الخلاف السياسي في مسائل كثيرة بينها "اتفاق أوسلو" منتصف التسعينات. لكن هذا الخلاف لم يصل في أي مرة إلى الطعن في الظهر أو التبادل الحاد والعلني للاتهامات.

سمي "أبو اللطف" رئيسا للدائرة السياسية في "منظمة التحرير"، ولقبه البعض بوزير خارجية القضية الفلسطينية. لعب دورا محوريا في صياغة بيان القمة العربية المنعقدة في الرباط نوفمبر/تشرين الثاني 1974، التي اعتمدت "منظمة التحرير الفلسطينية" كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

يفصل بين رحيل "أبو عمار" و"أبو اللطف" حوالي عشرين سنة. الأول توفي في باريس بعدما كان محاصرا في "المقاطعة"في رام الله في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 بعد حوالي أحد عشر عاما على توقيعه "اتفاق أوسلو" في سبتمبر/أيلول 1993. أما الثاني، فقد توفي في عمان أغسطس/آب بعد أكثر من نصف قرن على أحداث "أيلول الأسود".

جمعه مع عرفات الاعتقال في الأردن بعد "أيلول الأسود" عام 1970. وأرسل صديقهما الرئيس جمال عبد الناصر الذي قدما له "المنظمة" نهاية الستينات، أرسل ضابطا إلى الملك حسين لإطلاق سراحه، وسافر بعدها القدومي إلى بيروت، حيث بقي مقيما لغاية الغزو الإسرائيلي سنة 1982.

بعد الحصار الإسرائيلي لبيروت لإخراج عرفات منها، كان القدومي يريد الذهاب إلى سوريا بدلا من تونس. لكنهما ذهبا إلى تونس سنة 1983، وكان "أبو اللطف" بين القياديين القلائل الذين نجوا من الاغتيال على أيدي الإسرائيليين مثلما حدث لرفيقيه خليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد).

من الحصار إلى الموت

لم يكن يعرف أن موت شريكه وصديقه سيكون لغزا محيرا له إلى حين رحيله، إذ إنه بعد فشل مفاوضات السلام عام 2000 التي عارضها القدومي بقوة، فرضت إسرائيل على عرفات حصارا حتى صار كالسجين داخل مقر الرئاسة المعروف بـ"المقاطعة" في رام الله. وضربت إسرائيل المقر بقذائف الدبابات واتهمت عرفات بـ"التحريض على العنف" بعد انهيار محادثات السلام في واشنطن عام 2000، وقاطعته الولايات المتحدة ووصفته بأنه "عقبة في طريق السلام".

وبعد حصار عرفات في رام الله ثم وفاته في أحد المستشفيات الفرنسية يوم 11 نوفمبر 2004، أصر القدومي على أن "أبو عمار" قتل. وقد رشحه البعض لرئاسة السلطة المشكلة بموجب "اتفاق أوسلو"، لكنه رفض كما كان متوقعا. 
بعد أسبوعين على وفاة عرفات وصل القدومي إلى دمشق، كعادته في زيارته الدورية للعاصمة السورية للقاء المسؤولين السوريين وقادة الفصائل الذين يقيمون فيها. لكن لقاءه نائب الرئيس السوري الراحل عبدالحليم خدام بحضور ممثل "المنظمة" محمود الخالدي ومسؤول الشؤون الإسلامية في الدائرة السياسية إحسان صالحة  في 24 نوفمبر، له أهمية خاصة، لأنه جاء غداة لغز وفاة عرفات والبحث عن بديل له.

محضر خدام– القدومي

يكشف المحضر، الذي حصلت عليه "المجلة" من أوراق نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام التي حملها معه إلى باريس في 2005 قبل إعلان انشقاقه نهاية ذاك العام، تفاصيل ما كان يدور وقتذاك إزاء أسباب وفاة عرفات ومدى محاولة تدخل دمشق باختيار خليفة "أبو عمار" الذي كان يحرص على "استقلالية القرار الفلسطيني".

يبدأ القدومي الحديث بالقول إن "ياسر عرفات توفي ومضى بكل حسناته وسـلبياته". فيرد خدام بأن "المرحوم كان علامة بارزة في السياسة العربية، وهو مغبوط لأنه لم يوقّع على ما أثر سـلبا على القضية الفلسطينية".

وكان خدام يشير إلى رفض عرفات توقيع اتفاق كامب ديفيد عام 2000، متجاوزا الخلافات الكبيرة بين الرئيس حافظ الأسد وعرفات في العقود السابقة سواء لدى حصار بيروت وإخراج القادة الفلسطينيين من العاصمة اللبنانية إلى تونس أو لدى توقيع "اتفاق أوسلو"، وقبل ذلك اتخاذ قادة فلسطينيين مقربين من دمشق ومقيمين فيها مواقف ضد عرفات.

وخلال لقائه القدومي، يسأل خدام عن "سبب الوفاة"، فيجيب "أبو اللطف": "مرّ عرفات بهذه الحالة قبل سنة (في 2003) وقيل في مصر إنه تعرّض لنزلة أنفلونزا ولكن تونس عارضت هذا الرأي وأعطونا خزعة طبية وقالوا إنه يعاني من تكسر صفائح الدم وصار يتعرض لنوبات متكررة وبدأ فكره يتشوش. وبعد حوالي أسبوعين من بداية مرضه قال لي طبيب تونسي اسمه أشرف الكردي من الوفد التونسي: هل لديكم إمكانية لعلاج هذه الحالة؟ فقلت: لا. فقال: انقلوه. وقد اتصلنا في المساء بفرنسا وبعث الرئيس (جاك) شـيراك بطائرة أقلته إلى فرنسا".

قادة عرب توسطوا لدى بوش

"ماذا قالت فرنسا عن سـبب الوفـاة؟"، يسأل خدام. فيجيب القدومي: "قالوا إن وضعه إيجابي ولا شيء كيميائيا أو نقص مناعة ولا سرطان في الدم أو الدماغ وفحصوه عضوا بعضو. واضح أنه مسموم".  يعلق خدام: "إذن فلا يوجد غير السم ولا يذكرون هذا لئلا تتأثر العلاقات (الفرنسية) مع أميركـا وإسرائيل".

ويعلق القدومي: "لا تشكو الرئتان والأمعاء والكبد أو أي شيء في جسده (عرفات) من شيء. جاء 25 طبيبا فرنسيا وجاء من أميركا طبيبان فلسطينيان مختصان في الدم وخمسة من تونس أتينا بهم بعد موته. لم يطلعونا على شيء وقالوا: كنا نستغرب أنه كان يمر بنوبات إغماء ثم يصحو وكأنه لا شيء به، وكنا نسمع الإذاعة الإسرائيلية من أنه لن يدفن في القدس وأنه يتعرض لنوبات إغماء".

يتابع القدومي: "قبل ذلك ببضعة أيام وعند زيارتي أنا وأبو ماهر (محمد غنيم) لعرفات قلت لأبو ماهر: لا بد لي أن أعرف السبب. واتصلت بدول عربية. وقلت إن حالة أبو عمار مثل حالة خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لـ"حماس") ونحن بحاجة لترياق مضاد، فاتصل قادة عرب بالرئيس المصري (محمد حسني مبارك) الذي اتصل بقطر وأميركا فقال (الرئيس الأميركي الأسبق جورج) بوش: هو معافـى. حتى إن زعيما عربيا أوضـح لي قائـلا: إسرائيل متحكمة بأميركا".

كان "أبو اللطف" يريد تكرار تجربة مشعل، الذي تعرض لمحاولة اغتيال في عمان في سبتمير 1997، ثم أصر العاهل الأردني الراحل الملك الحسين على الحصول على عقار مضاد للسم الذي أصيب به مشعل، الأمر الذي حصل ونجا رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" من الموت. كما تضمنت الصفقة الأردنية إطلاق مؤسس "حماس" أحمد ياسين الذي اغتالته إسرائيل في مارس/آذار 2004.

سهى عرفات للقدومي: أبو عمار يحتضر ألا تريد أن تراه؟

في العودة إلى لقاء خدام والقدومي، يتابع "أبو اللطف" حديثه عن الأيام الأخيرة لعرفات: "زار شـيراك عرفات وتحدث معه وقال إن وضعه مسـتقر، ثم خرجت التصريحات بعدها بأيام لتقول إنه في غيبوبة وعندما اتصلت بالدكتور أشرف قلت له: هل أنت مستعد للقدوم؟ فقال: لا، سألت زوجته ومن حوله عن صحته، فقالوا: ليس به شيء. أما الطبيب الذي عالجه فقال: ابعثوا بالدم لكل مراكز فحص الدم وقد كان هو الطبيب الذي عالجه منذ زمن. قلت لزوجته: نريد تقريرا طبيا فقالت لي: لا بد من هذا. وبعدها تركت باريس ثم اتصلت بها بسبب تصريحاتها حول نزع الأجهزة (الطبية عن عرفات) وسببها أن ناصر القدوة (ابن أخت عرفات ووزير الخارجية الأسبق) قال: ما دام لا فائدة فلننقله إلى مصر ليرى أهله فقلت له: هذا لا يجوز، وعلى كل حال أنت حر في التصرف كونك من أقربائه، ثم سـمعنا تصريحات زوجتـه وقولها: أنتم تريدون أن ترثوه وتنزعوا الأجهزة. فذهبت لكي أصدر بيانا يرفض تصريحاتها لتهدئة الأوضاع. وبعد يومين قالت لي: إنه يحتضر ألا تريد أن تراه؟ فقلت: لا أريد. كانوا يخدرونه من أجل أخذ عينات من دمه لأن عرفات كان يغضب ويضرب الطبيب ويقول إنه يريد أن يغادر".

بعد ذلك أعلنت وفاة عرفات عن عمر يناهز 75 عاما في مستشفى عسكري فرنسي قرب باريس. مذاك بقيت أسئلة تحيط بأسباب الوفاة. حيث أصيب بوعكة صحية من وجبة طعام سببت له ألما شديدا في المعدة. وأُعلن رسميا أن وفاته نجمت عن سكتة دماغية. لكن أطباء فرنسيين ذكروا أنهم لم يستطيعوا معرفة سبب المرض، ولم يُجر تشريح للجثمان.

وفي 2011 سمحت سهى بالاطلاع على سجله الطبي وملابسه في آخر أيامه، والتي تسلمها علماء طب شرعي سويسريون، أعلنوا أن تحليل عينات أُخذت من جثمان عرفات أشارت إلى وجود آثار تتفق مع أعراض التسمم بمادة البولونيوم المشعة. لكن خبراء فرنسيين وروساً قالوا بعد ذلك إن عرفات لم يمت بالسم. وأصرت سهى عرفات أنه كان "ضحية عملية اغتيال سياسي". لكن إسرائيل نفت أي علاقة لها. 
من جهته، قال القدوة لـ "المجلة": "من دون أدنى شك وفاة عرفات لم تكن طبيعية. إسرائيل سممته"، مشيرا إلى تقرير الخبراء السويسريين الذين أشاروا إلى وجود بولونيوم 210 في جسده. وأضاف أنه لا يريد أن يدخل في جدال فلسطيني – فلسطيني حول وفاة عرفات.

خدام للقدومي: عباس صاحب وجهة نظر وليس صاحب انحراف

وفي المحضر الرسمي، تناول خدام والقدومي تفاصيل خلافة عرفات. يسأل نائب الرئيس السوري: "الآن إلى أين؟ هل قمتم بترتيبات داخلية؟". فيرد "أبو اللطف": "قال الأميركان: لا نريد التسوية مع هذا المتشـدد. لقد راهن البعض على الفتنة. أما أنا فإنني مرفوض (من الأميركيين). طالبت بترشيح أبو مازن (محمود عباس) فوافقوا. لقد منعنا الحياء من إثارة تقولات داخل (حركة فتح) وكان لا بد من امتصاص القوى داخل (فتح)، سُمي (روحي) فتوح رئيسا للسلطة الفلسطينية، فاقترحت أنه ما دام الدستور المؤقت قد تم إقراره على أن يستلم رئيس المجلس التشريعي زمام الأمور إن توفي رئيس السلطة. وأنتم تريدون أن تغيروا لأجل أن يستلم أحد شـبابنا وفتوح شاب، فاتركوا هذه الستين يوما تمر بسلام ثم ترشحون. بعدها يتسلم (محمود عباس) أبو مازن. وبعدها أقروا ما ترونه مناسـبا، وقد كانوا عقلاء في (فتح) وتحقق ذلك".

هنا يعلق خدام: "تصرفتم بحكمة ولو حصلت مشاكل حول الإرث لضعتم وضاع ما تبقى من قضية فلسطين. كان اختيار أبو مازن أمرا طبيعيا. بالنسبة لك لن يفاوضوك. قناعتي أن أبو مازن صاحب وجهة نظر وليس صاحب انحراف، والمهم أن لا تنجروا وراء صراعات فلسطينية- فلسطينية لأن أي صراع بين بعضكم البعض سـيدفع ثمنه الجميع. توحّدوا للحفاظ على قضيتكم، إنكم تصارعون الصهيونية في وقت لا يسـاندكم فيه أحد من الأمة العربية (...) المهم هو تماسـككم ولا أعتقد أن من بين أناس تاريخيين في (حركة فتح) يوجد من سـيفرّط بالحقوق. واجبنا هو مسـاعدتكم ومسـؤوليتنا هي مسـاندتكم".

خدام: على عباس الجمع بين السلطة والمنظمة

ثم يذهب النقاش بالتفاصيل إلى الحوار بين "فتح" و"حماس" وتشكيل اللجنة التنفيذية في "منظمة التحرير الفلسطينية". ويقول خدام: "في كل الأحوال يجب أن يكون رئيس السلطة هو رئيس المنظمة لأن الازدواجية سـتؤدي إلى صراعات على مراكز القوى. ماذا سيسـتلم أبو ماهر (محمد غنيم)؟، لماذا لم يأتِ إلى اللجنة التنفيذية؟ فأبو ماهر دمث ويحسن الحوار؟ عمليا (فتح) كحزب لا يمكن فيها لأبو مازن أن يكون مرؤوسا. عندنا (في سوريا) أمين الحزب (حزب البعث الحاكم) والأمين العام للقيادة القطرية (لـ"البعث) هو رئيس الجمهورية، وأبو ماهر متميز من بين أعضاء لجنة (فتح) القدامى".

ثم تحدث خدام لوقت طويل وبالتفصيل عن كل شخص واسم في "فتح" و"المنظمة"، إضافة إلى ذكر تفاصيل لصفقات مالية ومشاريع اقتصادية، قائلا: "كان حول أبو عمار- يرحمه الله- مجموعة من المنتفعين وكانت الحملة حول الفساد صحيحة. كانت له اعتبارات بفتح خطوط جديدة في كل الاتجاهات واستغل البعض هذا". هنا قال إحسان صالحة لخدام: "حضرتك متابع جيد للأحداث".

تجاهل خدام تعليق صالحة، حسب المحضر، وسأل القدومي عن موعد سفره وتفاصيل لقائه بـ"حماس" والفصائل. القدومي قرأ له تفاصيل ما اتُفق عليه مع الفصائل، ثم شكره وودعه واتفقا على لقاء آخر.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير