بيت العمال يحذر من تعديلات قانون العمل: "تهدد استقرار السوق"
حذر المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" في ورقة موقف جديدة من التعديلات المقترحة على قانون العمل، مؤكداً أنها قد تؤدي إلى تهديد استقرار سوق العمل وزيادة حالة عدم اليقين بين العمال وأصحاب العمل، وأشارت الورقة إلى أن التعديلات المقترحة تشمل تغييرات جوهرية على اثنتي عشرة مادة من القانون، منها خمس مواد تتعلق بإنهاء العمل، والتي قد تضعف الحماية العمالية وتؤثر سلباً على استقرار سوق العمل.
وقال المركز بأن قانون العمل قد شهد خلال السنوات القليلة الماضية تعديلات متكررة شملت العديد من مواده كان آخرها تعديلات العام الماضي 2023 وتعديلات عام 2019، ونشهد الآن مجموعة جديدة من التعديلات تقترحها الحكومة على اثنتي عشرة مادة من القانون، خمسة مواد منها تتناول الجوانب المتعلقة بإنهاء العمل، تهدد بإضعاف الحمايات العمالية، وتؤثر سلبا على استقرار سوق العمل باستهدافها تخفيف القيود على صلاحيات أصحاب العمل في إنهاء خدمات العاملين لديهم.
وبينت ورقة العمل بأن عددا من التعديلات المقترحة تعتبر إيجابية وتشكل تقدما نحو تحسين قواعد الحماية للعاملين، ومن ذلك التعديل الخاص بزيادة مدة إجازة الأمومة من سبعين يوما إلى تسعين، وحظر إنهاء خدمات المرأة الحامل خلال كامل فترة حملها وليس فقط ابتداء من الشهر السادس من حملها كما هو الحال في القانون بنصه الحالي، ومنح العاملين إجازة لمدة ثلاثة أيام في حال وفاة أحد الأقارب من الدرجة الأولى، إضافة إلى التعديلات التي تستهدف معالجة الإختلالات في الصياغة التي شابت عددا من المواد في التعديلات السابقة مثل تعريف التمييز في الأجور، والإجازة المرضية.
إلا أن المركز لا يجد ما يبرر الإستعجال في طرح قانون معدل بعد مدة قصيرة من آخر تعديل، فتكرار إجراء التعديلات على قانون العمل يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار وعدم اليقين لدى العمال وأصحاب العمل، ويحدث إرباكا في علاقات العمل ويؤثر سلبا على توازنها، وعلى قواعد الحوار الاجتماعي، ويضعف الثقة بالعملية التشريعية وأدواتها، كما أنه يقلل من جاذبية الأردن للاستثمار مما يعيق التنمية المستدامة ويؤخر الإصلاحات الشاملة.
وأشار في ورقة الموقف أن من الواضح أن الموضوع الرئيسي الذي تستهدفه هذه الحزمة من التعديلات هو موضوع عقود العمل وإنهاء الخدمات، وذلك في المواد (21) و(25) و(28) و(31) و(108)، والتي يفهم أن المقصود منها دعم سياسات تعزيز "مرونة سوق العمل" (Labor Market Flexibility) ما ينطوي على منح الشركات صلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتعيين العاملين وفصلهم وتحديد ظروف عملهم بأقل ما يمكن من قيود تشريعية.
ولفت المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" إلى أن مؤيدو تعزيز مرونة سوق العمل ومنهم خبراء صندوق النقد الدولي يزعمون بأن ذلك يساهم في انخفاض معدلات البطالة وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة تخفيف كلف العمالة وتعويضاتها على أصحاب العمل، بينما يرى خبراء سوق العمل ومعايير العمل بأنه يتسبب في زيادة الوظائف المؤقتة غير المستقرة والعمل غير المنظم، وانخفاض الدخل وانقطاعه المتكرر عن العدد الأكبر من العاملين، وتوترات في علاقات العمل، ما ينعكس سلبا على الإنتاجية وعلى الإقتصاد وعلى الأمن المجتمعي.
وأشارت الورقة بأن مشروع التعديل قد تضمن إحالة صلاحية تحديد الحالات التي تعتبر فصلا من العمل والحقوق والمستحقات التي تترتب على ذلك إلى نظام يصدر عن مجلس الوزراء، وذلك كبديل للوضع الحالي الذي يتولى فيه القانون نفسه تحديد قواعدها بشكل عام ومن ثم يتولى القضاء تطبيقها وتفسيرها والحكم بناء عليها، وذلك كما هو معمول به في مختلف دول العالم، حيث تكونت لدى القضاء المحلي والمقارن على مدى سنوات طويلة ذخيرة كبيرة من القواعد الراسخة لمثل هذه الأحكام التي تشمل مختلف الحالات التي لا يمكن للتشريع نفسه أن يحتويها بتفاصيلها كاملة سواء في قانون أو نظام.
وحذرت الورقة من أن تدخل السلطة التنفيذية في هذا الموضوع بهذا الشكل سوف يخل بالتوازن الدقيق المفترض بين كل من الدور التشريعي والدور القضائي والدور الإداري في تنظيم علاقات العمل، ويعتبر تجاوزاً لصلاحيات
السلطة التنفيذية، وتعديا على صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية، فهو ينزع صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية في هذا الشأن ويضعها في يد السلطة التنفيذية بصلاحيات تقديرية واسعة ستخضع لضغوطات قوى مؤثرة باتجاه توسيع نطاق حالات الفصل من العمل بيد صاحب العمل.
وأوضحت ورقة المركز بأن التوجه نحو تنظيم موصوع الفصل من العمل بنظام تصدره الحكومة سيؤدي إلى تقويض استقرار التشريع والإجتهادات القضائية وإلى التضارب في المصالح، حيث سيكون لأصحاب العمل تأثير كبير في صياغة بنود النظام، وإلى عدم الاستقرار التشريعي والتعارض مع الاجتهاد القضائي في قضايا العمل والذي تطور على مدى سنوات طويلة، وإلى صعوبات في التطبيق، وإلى تغيير متكرر في القواعد لتلبية مصالح أصحاب العمل، مما يخلق بيئة من عدم الاستقرار التشريعي وعدم اليقين بالنسبة للعمال ومزيد من النزاعات.
ونبهت الورقة بأن التعديل الخاص بالمادة (31) المتعلقة بحالات إنهاء عقود العمل أو تعليقها لأسباب اقتصادية أو فنية، جاء ليجيز لصاحب العمل إنهاء خدمات 15% من العاملين لديه دون موافقة مسبقة من وزير العمل واللجنة
الثلاثية المشكلة في الوزارة من ممثلي أطراف العمل الثلاثة (العمال وأصحاب العمل والحكومة)، فيما يوجب النص الحالي على صاحب العمل عدم اتخاذ أي إجراء من هذا النوع إلا بعد الحصول على موافقة اللجنة الثلاثية
ووزير العمل، وهو تعديل خطير يضع بيد صاحب العمل صلاحيات مطلقة في إنهاء خدمات نسبة كبيرة من العاملين دون أي رقابة من أي جهة، ما يؤشر على أن أعداد كبيرة من العاملين سيتعرضون لفقدان وظائفهم فور بدء نفاذ القانون المعدل إن تم إقراره.
وأشارت إلى التعديل الخاص بحماية ممثلي النقابات العمالية في المادة (108)، فيلغي الصلاحية التي يمنحها القانون للمحكمة في حال فصل ممثل النقابة من عمله، والتي تجيز لها إصدار القرار بإعادته إلى العمل مع الحكم
له بكامل أجوره عن مدة انقطاعه عن العمل، كما يلغي التعديل حق ممثل النقابة المفصول في المطالبة بتعويض إضافي إلى جانب تعويض الفصل التعسفي، في حال لم يتمكن من العودة إلى عمله لأسباب تتعلق بصاحب العمل.
كما حذرت من أن تكريس هذه التوجهات بتسهيل إنهاء خدمات العاملين سيكون لها آثار سلبية قد تمتد لتشمل الاقتصاد والمجتمع ككل، فمن الجانب الإقتصادي سوف يتسبب ذلك بزيادة معدلات الفصل ما سيؤدي إلى زيادة
عدم الاستقرار في سوق العمل، وتوتر علاقات العمل، وفي زيادة معدلات البطالة، كما سيزيد في حجم الإقتصاد غير المنظم، والعمالة غير المنظمة، وفي تراجع الدخل، وبالتالي سيؤثر سلبا على الاستهلاك والنمو الاقتصادي،
ومن الناحية الاجتماعية سيؤدي ذلك إلى زيادة التوتر الاجتماعي وعدم الاستقرار، وتراجع الالتزام الوظيفي.
وفي نهاية الورقة أوصى المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" بأن يستهدف أي تعديل يجري على قانون
العمل وأي سياسات تتعلق بذلك أساسا حماية حقوق العمال، ودعم استقرار سوق العمل وعلاقات العمل، وتحقيق شروط العمل اللائق وفق المعايير الدولية، وتشجيع الاستثمار في رأس المال البشري بتحفيز الاستثمار
في تدريب وتطوير قدرات العاملين، ودعم خلق فرص عمل جديدة من خلال تنفيذ سياسات اقتصادية تحفز النمو وخلق فرص عمل مستدامة، وأن المركز يرى بأن فكرة إجراء التعديل على قانون العمل في هذه المرحلة في غير
محلها نتيجة التعديلات المتكررة والمتتالية التي جرت مؤخرا، كما أن مضمون هذه التعديلات لا يتناسب والظرف الذي نعيشه في ظل الإرتفاع غير المسبوق على معدلات البطالة وأعداد المتعطلين عن العمل، وحاجتنا للإستقرار
الإجتماعي والإقتصادي لمواجهة التحديات الصعبة على مستوى الإقليم.