مهرب يكشف طريقة نقل الأردنيين إلى أميركا وتكلفة الرحلة (فيديو)
في مدن شمال الأردن مثل عجلون، جرش، وإربد، أصبحت العديد من القرى شبه خالية من شبابها الذين اختاروا الهجرة الشرعية إلى أمريكا. وقد استغلت شبكات الاتجار بالبشر هذه الرغبة، مستغلة التعاون مع سماسرة محليين، لنقلهم عبر المكسيك بتكلفة تصل إلى 12 ألف دولار.
الهجرة من كفر أسد: مثال على نزيف الشباب
كفر أسد، قرية تقع في محافظة إربد وتتبع إداريًا للواء الوسطية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 15,732 نسمة حسب إحصاءات 2019. ومنذ منتصف 2023 وحتى اليوم، هاجر منها ما بين 900 إلى 1000 شاب، وفقًا لتقديرات الأهالي. وتعد كفر أسد مثالاً على العديد من القرى في شمال الأردن، التي فقدت عددًا كبيرًا من شبابها الذين رحلوا بحثًا عن "الحلم الأمريكي".
قرى مثل قميم، حبكا، صما، في إربد، وعنجرة وكفرنجة في عجلون، شهدت أيضًا مئات حالات الهجرة غير الشرعية عبر شبكات تهريب نشطة في الأردن.
البحث عن الحلم الأمريكي: البداية في نوفمبر 2023
بدأت الهجرة من شمال الأردن إلى أمريكا في نوفمبر 2023، بعد مرور ستة أشهر على قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي سمح للمهاجرين غير الشرعيين بتقديم طلبات لجوء وإقامة حتى يتم البت في قضاياهم من قبل محكمة الهجرة. يهرب الأردنيون من ظروف اقتصادية صعبة؛ بطالة عالية بلغت 21%، واقتصاد يعاني من الدين العام الذي وصل إلى 46.1 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر 2023.
رغم تعهد حكومة رئيس الوزراء بشر الخصاونة في عام 2022 بخلق نحو مليون وظيفة خلال العشر سنوات القادمة، إلا أن هذا لم يتحقق على أرض الواقع، ما زاد من حالة الإحباط واليأس لدى الشباب.
الهروب إلى المجهول: شهادات مؤلمة من المهاجرين
تروي رسالة إيهاب، شاب أردني من كفر أسد، إلى موقع "ميدل إيست آي" تفاصيل موجعة لأسباب الهجرة. يقول إيهاب: "أي مكان أجمل من الأردن ليس بسبب تضاريس البلد، ولكن بسبب سوء إدارة الأزمات والفساد المستشري الذي خنق كل صاحب إبداع. تخرجت من جامعة اليرموك تخصص محاسبة، وبعد محاولات فاشلة في التجارة والبحث عن عمل، قررت الهجرة. استلفت مبلغ 12,700 دولار، كنت معرضًا للموت، لكن الموت كان أهون من الحياة في ظروف الأردن."
ويتابع إيهاب حديثه عن رحلة معاناته قائلاً: "ذهبت للعقبة بحثًا عن عمل في المقاهي وفشلت، ثم حاولت العمل في فنادق إيلات، لكن مع بدء الحرب في غزة، تعقدت الأمور. في 2023، قابلت شخصًا أخبرني عن طريق الهجرة إلى أمريكا، قررت بدون تفكير، واستدنت المبلغ المطلوب للمخاطرة برحلة محفوفة بالمخاطر."
رحلة مليئة بالصعوبات والمخاطر
يروي ماهر، من قرية كفر أسد، تفاصيل رحلة شقيقه أيمن البالغ من العمر 34 عامًا، الذي بدأ رحلته من نيكاراغوا حيث التقى بالسماسرة بعد تنسيق مع وسطاء في القرية (ألقت الحكومة القبض على أحدهم في 19 يونيو 2024 بتهمة الاتجار بالبشر).
انطلقت رحلة أيمن من نيكاراغوا حيث دفع 400 دولار للسمسار ليستقل حافلة تقله إلى هندوراس، ويجتاز الأدغال، ثم يتوجه إلى المكسيك عبر غواتيمالا، حيث يسلم نفسه لحرس الحدود الأمريكيين بعد رحلة شاقة سيرًا على الأقدام في الغابات المكسيكية.
أيمن يعمل حاليًا في سوبر ماركت لأحد أقاربه في ولاية تكساس مقابل 20 دولارًا في الساعة، مع توفير سكن مجاني، بينما كان يعمل سابقًا سائق تاكسي في إربد براتب لا يتجاوز 15 دولارًا يوميًا.
شهادة مهرب: كيف تتم عملية التهريب؟
يروي أبو أحمد (اسم مستعار)، أحد المهربين النشطين عبر مجموعات فيسبوك، تفاصيل عملية التهريب: "تبدأ الرحلة بالسفر إلى ماناغوا، عاصمة نيكاراغوا، عبر لندن، إسطنبول، أو مباشرة حسب نوع جواز السفر العربي. بعدها يتم استخدام طرق برية وبحرية للوصول إلى هندوراس، ومن هناك يعبرون إلى غواتيمالا ثم إلى المكسيك، حتى يصلوا إلى تيخوانا، المدينة الحدودية مع أمريكا".
ويتابع أبو أحمد: "يتم دفع معظم المبالغ للسمسار الأصلي في المكسيك، بينما يتم توزيع المبالغ المتبقية على المتاجرين بالبشر في كل دولة، بمبالغ تتراوح بين 400 و500 دولار في كل مرحلة. عادة ما يتم التواصل مع الزبائن عبر إعلانات على مجموعات فيسبوك وتيليغرام".
واقع اقتصادي مؤلم يدفع الشباب للهجرة
تعاني مدينة إربد، كغيرها من المدن الأردنية، من ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين خريجي الجامعات، حيث بلغت البطالة العامة في الأردن 21.4% خلال الربع الأول من عام 2024. وفقًا لدائرة الإحصاءات الأردنية، يوجد حوالي 418,400 عاطل عن العمل، في حين تبلغ نسبة البطالة بين الشباب 47%.
يعمل العديد من الأردنيين لساعات طويلة بأجور منخفضة، إذ يتقاضى 48% من العاملين رواتب تتراوح بين 280 و422 دولارًا شهريًا، بينما يحصل 8.3% منهم على رواتب أقل من 280 دولارًا شهريًا، وفقًا لبيت العمال، المركز الأردني لحقوق العمل.
أستاذ الاقتصاد: سوء إدارة الموارد الاقتصادية سبب للهجرة
يقول قاسم الحموري، أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك، لـ"ميدل إيست آي": "هؤلاء المهاجرون يمثلون عينة من الشباب الذين فقدوا الأمل في الأردن، والذين باعوا ممتلكاتهم أو استدانوا للهجرة بسبب سوء إدارة الموارد الاقتصادية على مر السنين. إذا قسنا نسبة المهاجرين الأردنيين مقارنة بعدد السكان، نجد أن عددهم يفوق الدول التي تعرضت لحروب، والسبب الرئيسي هو غياب الأمن الاقتصادي وعدم وجود نمو اقتصادي يخلق فرص عمل للشباب."
الإجراءات الحكومية لمكافحة الهجرة غير الشرعية
في 19 يونيو 2024، تحركت الحكومة الأردنية بعد انتشار مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر شبابًا أردنيين يهاجرون عبر الغابات أو يركبون قوارب الهجرة. وأصدر مدعي عام محافظة إربد قرارًا بتوقيف شخص لمدة 15 يومًا بتهمة الاتجار بالبشر، ومنع صاحب مكتب خدمات سياحية من السفر لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد.
صرح الناطق باسم الحكومة، وزير الإعلام والاتصال مهند مبيضين، أن الحكومة استحدثت 48,779 فرصة عمل في النصف الثاني من 2023، لكن هذه الأرقام لا تعكس الأمل الذي يبحث عنه الشباب في الداخل.
رؤية اقتصادية: الحل في الإصلاح السياسي والاقتصادي
يرى ممدوح العبادي، نائب رئيس الوزراء الأسبق، أن الحل يكمن في تغيير النهج الاقتصادي السائد منذ 20 عامًا، داعيًا إلى إصلاحات سياسية ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والاطلاع على تجارب دول نجحت في تحسين اقتصادها.
اليوم، يُشارك العديد من الأردنيين ممن استطاعوا الوصول إلى أمريكا تفاصيل حياتهم اليومية عبر منصات مثل تيك توك وإنستغرام، بطريقة ساخرة من الواقع الذي هربوا منه. محمد عناب، الذي وصل حديثًا إلى أمريكا، يقول ساخرًا: "هذه رسالتي إلى أمي وأبي من أمريكا: سأحظر اتصالاتكم على الهاتف منذ اليوم، لن أعود". ربما وجد محمد الحلم الأمريكي!